السبت، 22 يناير 2011

لا نافذة ولا بريق أمل!



عزيزتي أمانة جدة،
ربما أنا اليوم أضع هذه التدوينة فقط لأثبت لنفسي أني لستُ (فاصلة). أعني بالكلمة هنا أنني لا أنأى بنفسي عن الواقع الذي من حولي بما فيه من (بلاوي مهببة)، وأنني كذلك لست (الفاصلة) الأخرى، أعني الترقيمية والتي خلافاً لـ النقطة، تستطيع (تمشية حالها والمضي قدماً) كما تعجز غالبا عن (وضع النقاط على الحروف)!

عزيزتي (الأمانة)،
لاشيء جديد، فنحن نعيش في الروتين الذي..
تفضلتِ مشكوره بصنعه لنا. إذن ما الجديد الذي أخرجني من عالمي الإفتراضي؟
الجديد هو البشرى التي أوردتها في فيلمك الدعائي والتي قررتِ أن تمتعينا بطيفها في حياتنا قبل مماتنا ولو كان ذلك من خلال فيلم صمم باحترافية عالية حتى يكاد أن يصور مشهداً من الواقع، إلا أننا نعلم جميعا ما الفرق بين الواقع وبين التصورات والخطط المستقبلية. الخطط التي تطلعيننا عليها اليوم، لأنك كما عهدناك، همك الأول هو المواطن وراحة المواطن ورضى المواطن!

هنا وتنتهي رسالتي المبتورة للـ أمانة، فهي مشغولة الآن بمشاريعها المستقبلية وتأبى عليّ نفسي أن أكون سبباً في إهدار وقتها الثمين جداً.

نأتي للمهم إذن..

طبعاً بما أننا نتحدث عن فيلم دعائي، فكان إذن من البديهي أن أدرج الفيلم على رأس هذه التدوينة ولكن، السبب في أني لم أعرضه هنا هو أنه حقاً فيلم موجعٌ للقلب. ولأنني حريصة على صحة وسلامة زوار هذه المدونة، آثرت أن أجنبهم ضيق الصدر وكآبة المنظر وعناء التفكير في صورة قد وقد لا تتحقق في عشرين عاماً!
فمن كان لا يمانع وجع القلب (و بايع روحه وراحة باله) فليضغط هنا.

أما أنا فسأكتفي بتلك المرة اليتيمة والتجربة الأليمة التي لا أنوي تكرارها.

أظن أن من المفترض بنا كشعب (فاصل) أن نكون مثاليين ومتفائلين، نفرح لأن واقعاً أفضل يُرسم لأبنائنا وأحفادنا ربما. لكن لنكن واقعيين أيضاً ولنسأل، ماذا عن حقنا نحن في أن نعيش في بيئة لن أقول نموذجية ولكن على أقل تقدير صحية وآمنة تتناسب مع امكانيات البلد! نحن (الآن) هنا ونريد من يكفل لنا حقنا في أن ننعم في شبابنا بالعيش الطيب الذي نراه على هيئة وعود ونبوءات اليوم.. اما أن نشاهد فيديو تشركنا من خلاله الأمانة في بذرة لمشاريع تحتاج لعشرين سنة كي ترى النور، فهذا والله كما لو كان أحدهم يهزأ بنا قائلاً (دا عشم ابليس في الجنة)!
أعترف بأني انسانة صاحبة نظرة تشاؤمية ولذا فلأفرض على أفضل تقدير أن غالبية الشريحة المشاهدة لهذا الفيلم هي من فئة الشباب مابين سن ال20 والـ 40. هل هذا يعني أن هذه الفئة ستتراوح أعمارها مابين الخمسين والستين حين ترى هذه المشاريع النور!؟ أيكون قد مضى من العمر أزهاه! ألم يكن من المفترض أن ننعم بهكذا عيش، أو لننصف ولنقل نصفه، منذ عقدين من الزمن!

سأهز رأسي بعنف كي لا أتذكر المناظر التي رأيتها في الفيلم، لأني أكره لأحدنا أن يتذكر يوماً الماضي نادباً الأيام التي كان يتمنى فيها موقفاً شاغراً على رصيف البحر، الأيام التي كنا نفترش فيها الأرصفة مع ترمس شاهي وبعض الحبوب التي تنافسنا عليها صراصير المجاري، لاتفصلنا عن حاوية النفايات سوى مسافة قطتين قذرتين وكيس قمامة مبعوج.. كل ذلك لنحظى بدقائق نستمتع فيها بمنظر البحر الذي يبعد عنا مسافة حاجز صخري شاسع وقبائل من جرذان المدينة المتوحشة!

قد نشتُم يومها الأخضر الذي لم تعرفه أعيننا إلا لماماً لأن نظرنا المنطفئ حينها سيعلن حانقاً عجزه عن استيعاب هذا الدرجة المركزة من اللون. ستكون الأعصاب قد تلفت من عمرٍ قضيناه في زحمة السير والدوران كالمجانين حول أكبر ميدان دائري في طريقنا إلى الجامعة ذهاباً وإيابا كل يوم!
سنحكي لأولادنا وربما أحفادنا عن الزمن الماضي الجميل الذي لا يختلف عن زمن أبائنا وأجدادنا سوى بأنهم عاشوا زمناً يستوعب أسلوب معيشتهم كما كان، زمناً أنظف وأنقى و يليق بالبدايات. أما نحن، فجئنا بعدهم ولم يزل حالنا يشهد مرحلة النهوض من أنقاض البدايات والبنى التحتية المتهالكة! أليس هذا كثير؟!
تغيرت أنفس الناس وعاداتهم وماعاد الزمن نظيفاً بل هو أشعثٌ أغبر والتفكير في المستقبل يشعرني بالضيق الشديد، فلا المباني المتهالكة على حواف الشوراع الرئيسة ، لا الطرقات المحروثة كحقول ميئوس منها، ولا الأنفاق التي أكلت من أموالنا دهراً ولم تشبع، (لأن "أمانتنا" آثرت أن تشاركها أكلها فنفقت).. لا كل ذلك ولا الكثير غيره يصنع في صدري نافذة أو يضيء في عيني بريق أمل.

عزيزتي الأمانة، عودة إليك،
لا تهتمي، فما كُتبَ بالأعلى لا يعنيكِ.
وأصدقك القول، ربما كان من الأجدر أن تحتفظي بهذه الخطط كمفاجأة أو هدية (مستقبلية)

ليست هناك تعليقات: