الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008

و طـ ن !

على أمل العودة بما قد أقوله في هذا المقام، ركزت علمي هنا بالأمس ومضيت. الا أنني حتى الآن لم أجد ما أقوله تماماً!غير أني أتساءل اليوم، هل أفلحت كتب الوطنية لدينا في غرس حب الوطن في نفوسنا ونفوس الجيل الجديد من الصغار؟ سؤال يطرح نفسه حقيقة. وماهي الوطنية أساساً؟

ربما أصبح أول مايتبادر إلى الذهن حين يذكر اليوم الوطني هو مظاهر (الفرح) التي تجتاح بعض الشوارع الرئيسية في المدن الكبرى مثل جدة والرياض. ومظاهر الفرح هذه لا تختلف كثيراً عما هو الوضع حين يفوز المنتخب الوطني، سيارات كثيرة، أضواء، أبواق، أعلام خضراء، صخب مجنون، وفي مظهر من مظاهر (التحضر)، كما يحلو للبعض تسميته، أصبح للفتيات مشاركة فعالة في مثل هذه الفرص وأتخيل أن دورها هنا لا يعدو كونه مؤججا للموكب الصاخب أصلا! في حين أن الوضع هنا مختلف تماماً إذ أن نبرة المرارة صاحبت أغلب ما صادفته في الويب من مقالات منذ الأمس!
أهذه هي الوطنية من منظورنا؟ ولماذا حتى الآن لم يستطع الوطن أن يخلق جيلاً من الواعين لمدى أهمية هذه الأرض، مدى أهمية أي أرض للواقف عليها خارج نطاق الشعر الحماسي والكلمات الوطنية! وكيف يزرع جيل من الآباء والأمهات هذا الإحساس في نفوس أولادهم إن لم يدركوا أهميته بدءاً؟

وإن كان سوانا من الدول المتقدمة يحتفل باليوم الوطني لبلاده بمسيرات صاخبة رسمية وشعبية، فإن مايفعله هؤلاء لأوطانهم (حباً) و (إدراكاً) طوال العام يعطيهم الحق في الاستمتاع يوما أو يومين احتفاءاً بهذا الحب البنّاء।

هو إحساس يفتقده غالبيتنا، فلماذا؟ هل يجب أن نتغرب سنوات ليصلنا بعض الإحساس بالشوق إلى هذه الأرض، إلى أرضها الجافة، وتناقضاتها المبلولة لفرط تقلباتها؟ ربما علينا أن نعيد صياغة مفهوم الأوطان، والحب ومفاهيم كثيرة من حولنا। علينا أن نتعلم أبجدية الإدراك وأن نصنع من هذا المكان جنة لنا، فلا مكان لنا تماما في جنة (الآخرين)!

اممم.. المهم، جئت خالية الكلمات وهاهو الحديث يطول الآن، مؤلم ومحبط بقدر ما هو إلا أن الخوض فيه حتمي ولا مفر.

خلاصة الموضوع، ماذا نفعل في اليوم الوطني لبلادنا؟ نرتدي الأخضر في زهو؟ وماذا بعد؟ نعلق على صدور أولادنا (بروشات) تحمل شعار الوطن؟ ثم ماذا؟ نحفظ التلاميذ كلمات ليرددوها دون أن يدركوا معناها؟ ليس جديداً علينا। وماذا بعد الوطن؟ ماهو الوطن؟
أصاب من قال، "الوطن هو حيث يكون القلب"
ختاماً، أعترف بأني لم أستشعر دافعاً يسكبني كتابة عن (وطني)، يرغمني أن أكتبه شعراً أو أتغنى بأمومته، لم أستشعر شيء من ذلك. أدرك كم هو محبط ومخيب هذا الإحساس، لي ولغيري أيضاً.. ثم خطر لي هذا الصباح زيارة أرشيفي (المغبر) بحثاً عن دفتر الإنشاء للصف الثاني متوسط لأراجع نصاً كنت قد كتبته عن الوطن ذات طفولة،
لكني قررت أن لا أفعل،
ربما لأني خجلتُ من الوطن!
ربما..



الاثنين، 22 سبتمبر 2008

روبرت فروست والأسوار


ترميم الجدار

شيء ما لا يحب الجدار
يرسل هزة متجمدة من تحته
يسكب الصخور المتجمعة، في الشمس
ويصنع فيه فجوات،
يمر من خلالها حتى اثنان يمشيان جنباً إلى جنب.
أما عمل الصيادين فهو حكاية أخرى:
جئت من بعدهم ورممت وراءهم
هناك حيث لم يتركوا حجراً على حجر،
لكنهم أخرجوا الأرنب من جحره
ليرضواكلابهم النابحة،
تلك الفجوات أقصد،
التي لم يرهم أو يسمعهم أحد وهم يصنعونها،
لكننا نجدها هناك دائماً، في الربيع –فصل الترميم.
أدع جاري ليرى من خلف التل
وفي يوم آخر نجتمع لنمشي على خط الجدار
ونقيم الجدار بيننا مرة أخرى
نبقي الجدار بيننا هكذا بينما نمضي كل في ناحيته

وتلك الصخور التي وضعت فوق بعض
كان بعضها يبدو كالأرغفة، وبعضها الآخر مستدير مثل الكرة تقريبا
كان يلزمنا أن نمارس بعض السحر لنبقيها متزنة
"ابقي مكانك حتى ندير ظهورنا!"
اخشوشنت أصابعنا ونحن نتناولها
اوه، هي فقط لعبةأخرى نلعبها خارج المنزل.
واحد في كل جانب. وقليلٌ من شيء آخر:
هناك حيث يكون، لا نحتاج الجدار:
هو لديه أشجار الصنوبر، أما أنا فبستان التفاح.
لن تقطع أشجار التفاح خاصتي الطريق إلى حديقته
لتأكل أكواز الصنوبر الساقطة تحت أشجاره. أخبرته بذلك.
لكنه فقط يقول:
"الجدران الجيدة تصنع جيرانا طيبين"
الربيع يوازي الشقاوة والاثارة بداخلي،
وأتساءل إذا كان بإمكاني أن أزرع فكرة ما داخل رأسه:
"لماذا هم جيران جيدون؟ أهناك حيث يرعون البقر؟
ولا يوجد أي بقر هنا!؟
وقبل أن أبني حائطاً كان ينبغي أن أسأل
مالذي أحيطه بالداخل أو أحيطه خارجاً!
ولمن كنت سأسبب الأذية.
هناك شيء ما لا يحب الجدار
شي يريد تحطيمه.
أكاد أن أخبره انهم "الاقزام"،
لكن ذلك الشيء ليس "الاقزام" تماماً،
وكنت أفضل لو أنه قالها بنفسه.
أراه هناك قادماً وفي كلتا يديه يحمل حجرا
ً يمسكه بشدة من أعلاه
كمسلح متوحش من العصر الحجري يأتي
يبدو لي أنه ذلك الذي يمشي هناك في العتمة
لم يكن ذلك طيف الغابات فقط وظلال الاشجار.
وجاري لن يذهب بعيدا عن مقولة أبيه,
"الجدران الجيدة تصنع جيراناً طيبين"

روبرت فروست


قصيدة روبرت فروست الشهيرة، "ترميم الجدار" هي احدى قصائده الرائعة والعميقة ايضا بالرغم من بساطتها في الظاهر। قبل البدء بتحليل هذه القصيدة من منظوري الشخصي، شرعت في البحث عن معلومات حول هذه القصيدة والتي قد تكون مهمة لفهمها بطريقة أقرب لما أراده فروست منها।

تدور القصيدة حول جارين يصلحان باستمرار السور المبني بينهما –ويقال أن فروست كتب هذه القصيدة على خلفية قصته مع جاره الذي كان يردد بأن الجدران أو الأسوار الجيدة تصنع جيراناً جيدين!-
في مجملها، تعتبر هذه القصيدة من قصائد فروست اللاذعة والساخرة معاً، وفيها يسخر فروست من جاره المزارع العنيد و(التقليدي) جداً والذي يفعل الأشياء بطريقة معينة لا لأي سبب سوى أنه تلقاها بهذا الشكل، وهنا يبدو جلياً أن فروست في سخريته غير المباشرة من جاره هذا انما يسخر منا جميعاً لأننا نبني جدرانا سميكة حولنا دائماً نصنع من خلالها مسافات أكبر وأمنع على الاخرين بحيث لا يستطيعون اختراقها او تسلقها..
لكن اذا عدنا للقصيدة ذاتها، فهي تحمل في طياتها معاني وصور جميلة جداً، وقصة بناء السور هي قصة تتكرر في اي منزل وفي كل مكان، انما كان في مقدور روبرت فروست –كونه شاعراً- أن يتوقف عند هذا الحدث الغير مهم ليصنع منه قصيدة لا يمكن لدارسي الأدب أو محبيه اغفالها।
وربما من الصواب أو حتى من الأصح أن ننظر لقصيدة فروست السهلة الممتنعة بنظره أكثر عمقاً وبفلسفة تحليلية عوضاً عن أخذها على محمل القصة الواردة فقط। فالجدار الذي أراده فروست هو حتماً ليس مجرد ذلك الجدار المحسوس الذي نبنيه حول منازلنا ليحمينا من تطفل الاخرين وتحديداً جيراننا، ولكن الاسوار هي تلك الحوائط المنيعة التي نبنيها حول أنفسنا لنضع بها مسافات لا يستطيع الغير تجاوزها وبالتالي سبر أغوارنا الشعورية أو حتى تفكيرنا। ضرورية هذه الحوائط طبعاً بغض النظر عن أسلوب فروست التهكمي في اكثر من موضع في قصديته هذه، إلا أنه نفسه يشير بشكل أو بآخر أن (بناء) الاسوار أو حتى الجدران السميكة واصلاحها هي امر طبيعي وفطري ربما، على ما قد تبدوه في القصيدة من السوء والبدائية ربما، حيث يحاول جارين أن يعزلا ممتلكاتهما باستمرار لحد الهوس بكل صخرة قد تسقط من الجدار الفاصل بينهما! "
إلا أن هذا الجدار لطالما كان سبباً لعلاقة جيدة بينهما ولتعاون مستمر فكما يقول الجار دائماً "الاسوار الجيدة تصنع جيراناً طيبين"! وأظن أن سخرية فروست تأتي في سياق الوضع المتنافر كلياً بين نظرية العزل والفصل و ثقافة التواصل والاتصال!
."
أيضاً أدهشني كثيرا أن أجد مايشير إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اريل شارون، كان قد استشهد ببيت من "بناء السور" في كلمة ألقاها أمام الرئيس الامريكي في الولايات المتحدة وذلك في سياق تسويق وتبرير لستمرار اسرائيل في بناء الجدار الفاصل في فلسطين। عجيب جداً! لم أتخيل قبلا بأن الادب الجيد قد يستخدم لتبرير الجرائم التي قد يرتكبها أحدهم! من زاوية أخرى تحدثت بعض المواقع عن أن فروست كتب هذه القصيدة كرد فعل لبناء الجدار الفاصل في برلين। لكن يبدو أنني علي التأكد من تاريخ كلا الحدثين بما أنني لست على علاقة جيدة بالأرقام والتواريخ!

* ترجمة القصيدة إلى العربية هي جهد شخصي مني وببعض التصرف।

الجمعة، 19 سبتمبر 2008

بوح مرفوع عنه القلم!





اللحظة ماقبل الأخيرة للبكاء
عبثاً ألمّ زجاج صوتي
عبثا أرمم البلور!
لغتي ممدة تصارع موتها
والقرحة المجنونة تلتهمني
ترتدي جسدي وتخلع صمتها

وأنا؟
أتشظى حريقاً

أتبعثر شهقات من عدم
تضيع في زخات صمتك شهقاتي
فأبعث في كف الريحِ

أهزوجة..


....
يغلبني الدوار،

الدوااااااااااار..
الدوار الفارغ كمحارة مهجورة..
أو لستُ حقيقة مكسورة
وأنت ضحكةً مهدورة
في الفراغ؟
......
أموت شعوراً
وتبعث أجزائي ألماً
فأنا إرثٌ مقتسَم
بين الخطأ والصواب
وبعضي وقْف
وفي سبيل الأجر،
جعلوني (سـ ب ي ل)
لست أشعر
لست أشعر
من يحيل سكينتي
صخباً
فينقشع الغياب!

.....

يا أيها الغائب غب
واملأ غيابك من حضوري
وافرغ حضوري من غيابك
من فراغ الكون
منك ومن
سهامك
كم أعاني
كم أموت ولا أموت
وأمعن لأجل الناس، للأشياء، للشيطان،
أمعن في ا لغياب
فلا شعور هنا
ولا أنا عدتُ أنا..
أنا إرثهم
ملكٌ لهم
أنا بعض جرح يلتئم
أنا كل شيئ مقتحم
أنا في حقائبهم قلم
وفي دفاترهم رقم
وفي عيونك
ماسة براقةٌ
فالجم بريق الماس
من عينيك
واجعل وجودي
في محاجرهم ألم
وافرغ حضوري من غيابك
من فراغ الكون
منك ومن شعوري

كم أموت ولا أموت

الأحد، 14 سبتمبر 2008

على مائدة الوجع


تقاسمنا الأرغفة والأدوار..
وقررنا أن لم يعد لسوانا أي دور!
نملك كل أمرنا سوى الموت.
وحده الموت يتملكنا..
هل لنا من الأمر شيء؟
قتلنا مئة مرة ولم نمت
تشابِهُنا القطط الخاوية في الطرقات
نُشابِه خواء الأنفس المفرغة من الضحك..
وترتسم على هشاشتنا لصاقات الابتسامات المتصلبة
تتوهج في العتمة كأضواء النيون..
هل لنا من الأمر من شيء؟
قتلنا، ومن قال متنا كذب..
تقاسمنا المرارة ذات دور لعبناه..
وقررنا أخيراً أن لم يعد لنا أي دور!
نتقاسم الحزن على سرير الوداع ذات ليلة
تماماً كما تقاسمنا الحب كقطعة كعكٍ محلاّه
تماما كما أشركنا النوايا في سوء تعاطينا ذات وهج
تماما كما غزلتَ خيوط الإشراق فتيلاً يقدح شرراً
في سمائي..
(نجمة كنتُ.. وكنتُ قطةً..
أرقب الليل وأنشد بالمواء
يا إلهي كم حزنت وكم غضبت
وكم من الشكوى سئمتُ
وكم.. وكم..
وأنت؟..
مارد كنتَ.. وكنتَ رجلاً..
وما الذي ننتظر من "قهر الرجال"؟!)
أيها المقتسم أدوار البطولةِ، كاذبة..
كاذبٌ أنت..
وأغراك الغرور
كاذب زمن الخديعة والمرور
(يشبه الوهم الذي عاشوه يوما
حين أشرق في المدى حلم العبور..)
وتقاسمت اليوم حزني مع نفسي،
لم أعد أقتسم وجعي
لم أعد أرسم وجهي..
في أروقة المدن
أراك مرة أخرى
طيفاً أسوداً ويشرق قوس قزح
ثم يكسو الغيم أروقة المكان
لم أرَ الغيم قريبا مثل هذا اليوم يا قوس قزح!
مطرك، قوسك، وسهامك
كلها ..
تغتال في قلبي الفرح..

الخميس، 11 سبتمبر 2008

اللامنتمي!


يحدث أن أستيقظ من ذهولي فجأة وأضيق كثيراً بما يحدث حولي.
منذ متى أصبح مجتمعنا منقسما بهذا القدر من الوضوح؟ أم أن ظهور الأشلاء على السطح هو الذي كشف التشوهات الخلقية التي كانت أساسا موجودة، وأخفتها ربما المساحيق التي كانت خارطتنا السياسية تتقن وضعها!
لقد عزفت عن قراءة الصحف اليومية منذ فترة واتخذت موضع "اللامنتمي"، ليس تماما بحسب تعريف كولن ولسون، وإنما بحسب تصوري الخاطئ واللاإرادي حينها بأنه (كفاية وجع دماغ)، فليس أسوء من أن تختلف الأيدلوجيات حتى في الأسرة الواحدة بينما يصر كل فرد على أنه يلازم الصواب..
أين يسند المرء ظهره في مثل هذه الضوضاء والفوضى بين من يبالغ في التحريم والتشدد وبين من يبالغ في التحرر॥

لكن المشكلة ليست هنا فقط، وليست القضية هي قضية اختلاف في الآراء والأيدولوجيات، فالمشكلة تكمن في أن كلا الطرفين ينتقد ممارسات الآخرمستميتا ويترصد له، فيما يطمح أن يكون بقية المجتمع نسخ مكررة منه ومن (أيدولوجيته)- على افتراض أنه يجانب الصواب بل أن تصوره هو مطلق الحياة السليمة كما ينبغي أن تكون!
أولا يكون لي الحق إذن في أن (لا أنتمي) لو كان الإنتنماء يعني أن أكون في أقصى اليمين أو أقصى الشمال؟

حق لأدمغتنا أن تنفجر، فقد باتت الحياة لا تتطاق، ولا أرى العقدة إلا تزداد تعقدا يصعب معه فكها!


فبين المتدينين والليبراليين يسقط الوطن في فخ المهاترات المكشوفة، والتقاذف والتراشق بالبذاءة والحنق والغضب..

بين المتدينين والليبراليين تصبح الليبرالية قبراً، بينما يستحيل الدين عقبة كبيرة!


بين المتدينين والليبراليين يترفع اللامنتمون عن الخوض في مهاترات البينية فيما تصبح السلبية سمتهم الأقوى..

وبين هؤلاء وهؤلاء يتشتت الوطن وتصبح الوحدة مطلبا آخر يضاف إلى قائمة الأحلام المؤجلة।



إلى أين يقود الوطنَ هؤلاء وهؤلاء؟ ولم لا تكون حياتنا أكثر بساطة وأقل تعقيداً؟

لم لا يكون (متحررونا) أكثر تعقلا وأقل جنونا، و لم لا يصدق (متشددونا) بأن هناك بعض الهواء النقي الذي يصح لنا تنشقه، وبأن العفة والصلاح هي ليست فقط ثيابا ترتدى!

ولم قبل كل ذلك لا تتطهر أرواحنا من كل تلك الترسبات الباطلة! من كل تلك الأقنعة ومن كل هذا الزيف، ولنفسح لنقاء أنفسنا مساحات وارفة من التفاؤل والحياة।