السبت، 26 نوفمبر 2011

كما لو كنّا




كما لو كنّا ((معاً))..
تعبرنا السنواتُ الضوئية والأرضية ((معاً))
كما لو كان الكون الشاسعُ يتسعُ
 لنجمينِ ضئيلين يعبرانِ مابينَ قلبينا ((معاً))
كما لو كان الوجعُ ليسَ معتّقاً بهذا القدرِ
كدهنٍ ثمينٍ
يزهدُ بنا إذ لا يضّمّخُنا ((معاً))
وكما لو أن الفرح ماثلٌ دائماً في الصدر
كـ ظنٍّ .. كـ نبضٍ ..
 أو كـ سُورةٍ تُعيذنا من شرِّ الفراقِ (معاً).
ضع مرءاتكَ خلفكَ وامشِ بها
بارّاً قدَرَكَ..
كانعكاسٍ لا يخونُ طبيعتَه ووجهَك ((معاً))
وسأهمسُ في أذنك ذات حقيقة،
 ششـشـ... "لسنا معاً"
*
برّ قدرك يا هذا
حتى لو كان تعيساً وقابِضاً
حتى لو كانَ ثقيلاً ومائلاً..
و ضَعْ يدَك في يدي
أو روحَكَ في روحي
ولْنعبُر هذا النفق المظلمَ ((معاً))
كشبحينِ لا يسعيان لأذى
ولا يرومانِ جسداً أو وطنْ..
وتظاهر أن كل شيءٍ على مايُرام
وأن النهايات سعيدة
وأن البدايات الرديئةُ قدَر
تصرّف كمن أضاع البوصلة
ولنصلِح عطَبَ قلوبنا (لنستدل الدروب)
(لاحزنَ يقتلُنا ولا شجَن)
كما لو أننا ذرتين سادرتين
كما لو كنّا طائرين مهاجرين..
كما لو أننا شجرتين صديقتين..
*
من قالَ أن الأشجار وحيدة ياصديقي؟!
من قالَ ذلكَ لم يرَ الغابةَ يوماً
ولم يعلق قلبه على غصنين
يتعانقان ليحملا عشاً ووطن


الأربعاء، 19 أكتوبر 2011


 لعنةُ الإسمنت
 رمادول


" سأقولها صراحةً، وبكل وضوح!
أنا بحاجة لأن ألفُظَ المدينة من داخلي. لأن أنفضَ هذا الغبار الإسمنتي من على كتفيّ وذاكرتي.. أنا بحاجة لأن أتحرر.. أتحرر كلياً، نهائياً، وقطعياً. بصورةٍ حاسمة، ودون أدنى شك! "

هذا الصباح يمر كغيره. يتقدم ساعتين أو يتأخر ساعتين. ذاتُ البوابةِ العتيقة، الوجوه الكالحة، الأصوات الجشّة، والضحكات التي يسبق سفورها الزمن بسنواتٍ ضوئية..

تانكَ المرأتان اللتان تقتعدان كرسيين حديديين كما كل يوم، وثالثة تتكئ بسطوة على إطار الباب الشامت، كلهنّ يبدينَ بهيئةٍ واحدة، غير أن إحداهن لا بد أن تكون نحيلةً أكثر مما يجب، والأخريتان بدينتان قليلاً. هكذا كان الأمرُ دائماً.
أعبرُ مُتعمدة أن أثقل الخطوَ استعداداً للسؤال البديهي: بطاقتكِ يا...!؟
يخرجُ الصوتُ آلياً وبطيئاً إلى حدٍ يتعينُ عليك معه أن تؤخر ساعتك دقيقتين أو أكثر في تلك الثانيتين. يخرجُ الصوت آلياً جداً، لأجد نفسي أدققُ في الوجه الرمادي بحثاً عن براغٍ  ينبغي أن تكون مزروعةً في مكان ما على فكين معدنيين!
أخطو بسأمٍ ولامبالاةٍ عابرةً المدى الفلورسنتي نحو شمسٍ تختلف عن تلك التي بالخارج أنها أشد وطأة وأقوَمُ زمهريرا..
هذا السأم ينالُ مني، أعترف! هذه المدينة تحتلني بصورةٍ سلبية جداً. لقد حرثتني بمخالب مطليّة، وبذرتني بمسامير وبراغٍ صدئة في انتظار أن تتبرعم بذورها لتحصدني مدناً رمادية، مصانعَ، روبوتات، ناطحات سحاب، مكاتب باردة، عيادات تجميل، وأطفالُ أنابيبٍ بلا ملامح.
إنني أتآكل شيئاً فشيئاً. يغسلني السأمُ من درجات الطينيّ وخِفَّةِ الريحِ والأبيض السماويّ، ويحقِنُ جلدي بثِقل لونٍ زئبقيٍ مراوغ، أخفيهِ تحت مساحيق الزينة ذات الألوان الأرضيّة العارية.
 صديقُ المدينة الساكن في طبقة سماويةٍ دنيا يشتلُ قشةً في ظهري، يمتصني من خلالها أنّى شاء. صديقتي التي يغطيها الرمادي الهندسيّ حتى لم أعُد أذكر شكلها تقول بأنني أفقد وَزني بصورةٍ مريعة!

أقولُ إن هذه المدينة تحتلني بصورةٍ سلبيةٍ جداً في كل يومٍ أزعم أني سألفظها خارجي، ومن ثم فإني أنفض هذا الرماديّ من على كتفيَّ ورأسي، وأزيح بقايا عظام المدينة النخرة بشهيق يستنهضُ  كل ذرة يخضورٍ في شجيرات المدينة قد تصيبُ قلبي بعدوى الأخضر المبكي!

يا إلهي! مضَت سنتان ونيف وقلبي مترعٌ بتفاصيل المدينة الفاسدة. صدري منفضة دخانها.
 أيُّ تلك العاهرة!
بشفتين حمراوين وبثرة تفضح فسقها المحموم. تنظر نحوي فأنكمشُ على نفسي لاعنة: لم يحن ليلُك بعد!
شمسُ الظهيرة تلسعُ قفايَ كحيّة ناريّة. هو الآخرُ لم يُدَنَّس بعد. لم تَطَلْهُ لعنة الإسمنت. لم تزل يدُ صغيرةٍ تظللُ طهره وتعبسُ في وجهِ الشموسٍ المتأججة..
 لم تكن الشمس بريئةً يوماً. كنتُ أعرف ذلك دوماً.

سألفظ المدينة، هنا! الآن!
أتوسطُ الممر المؤدّي إلى أحد المباني الـ بلا أية ملامح. أتوقف. سأتقيأُ المدينة، الآنَ وهنا. وسأخلعُ عني هذا المكسوّ رماداً الآن. كلكم شاهد، وكلكنَّ ستمضين بشفاهكن المزيفة، بالأحمر المقزز، بالعلك المرافق لسوقية أفواهكنّ العطنة..
نوبةٌ سعالٍ حادة توقعني أرضاً. وحشٌ يضغط على كتفيّ، ويلكمني مراراً تحت بنية المدينة التحتية في المنطقة الرمادية من جسدي. أسعلُ بشدة. أسعلُ، أسعل.. فتخرج قطعٌ من الرماد في راحة يدي.. نشوةُ تعتريني فترتجف أطرافي، غير أنها سرعان ما تزول حين أسمع قهقهةً تصدر من جوفي!
"أيتها اللعينة! ظننتُ أنني ألفظك!"

تعينني نملةٌ عابرةٌ على الوقوف. تلتقي أعيننا هنيهةً فأغيبُ في مدينةٍ طينيةٍ لا إسمنت بها. أتنفسُ رائحة الطين ويديّ الطفلتين وخشب باب جدّي العتيق..
أصلحُ من هندامي، أعيدُ نظارتي السوداء على عيني مخفيةً نصف وجهي خلفها، كما أفعلُ كل يوم..

(ليست الهزائم المتكررة مُربكة إلى ذلك الحد) لم يكن الأمرُ سيئاً كم ذكرت، لستُ بحاجة أن ألفظ أي شيء.
 تلك العاهرة تستلقي متكئة على ألمِ صدري، تبتسمُ ابتسامتها الفاسقة ذاتها، وفيما أكمل طريقي نحو المبنى الرماديّ، تطلُّ هيَ من نافذتها المفتوحة عنوةً في صدري على دربي المزدحم بشياطين الشمس وظلال العابرين، وترسمُ طريقي الذي (أذعنتُ) له مذ وقّعتُ تلك الورقة في أحد النهارات المشؤومة تحت شمس ظهيرة تشبه هذه تماماً، غير أنها كانت ترتدي قلنسوة راهبة تصلي، أو هكذا ظننت..
* * *
حبةٌ رمادية مغلّفة بورق القصدير، أقرأُها "رمادول", ترافقها قاروة ماء صنعتها شركة الكولا للمبيدات البشرية.
 لا..
كل شيءٍ جيد.. لا شيء يتآمرُ ضدي، أبداً!

سأقولها صراحةً،

" ششششـــ ....
 لم تكن النوايا دائماً طيبة.
ولم تكن الشمس بريئةً يوماً. كما أنني.. كنتُ أعرفُ ذلك دوماً."



الجمعة، 14 أكتوبر 2011

كم من قصيدةٍ أهدَرها الخريفُ هكذا *



مرّ زمنٌ طويل نسبياً منذ أن كتبتُ هنا لآخر مرة. أشعر بأنه زمنٌ طويل جداً قياساً بالمدة التي كنت أقضيها متنكرةً في زي عصفورة صغيرة تغرد على شجرة وارفة يزينها الكلام وعددٌ لا بأس به من طيورٍ جميلة يصلها تغريدي الذي أحاول أن أجعله مسموعاً ومؤثراً قدرَ ما أمكن..

تلك المدة التي توقفتُ فيها عن التدوين والكتابة المطولة، هي تقريباً ذات المدة التي بدأت فيها فعلياً بالتغريد في تويتر! لم يستغرقني الأمر طويلاً لأتنبه أن تويتر يسرقني من جملة أشياء أحبها وأحاول أن أجيدها. فمابين العمل والحياة وتويتر وصفحات أخرى يوجهنا نحوها الأصدقاء المغردون يمضي وقتنا أمام أجهزتنا الصغيرة دون أن نكون حقاً قد أنتجنا أي شئ عدا أننا نثرنا عبارات صغيرة قد تكون جميلة ولكنها مجرد بذور وُضعت في تربة بانتظار ظروف إنباتٍ مناسبة، غير أن هذه الظروف قد لا تأتي أبداً!

الحقيقة أنني منذ أن وضعت عشّي الصغير على شجرة تويتر تلك، توقفت عن الكتابة والتدوين، لم أعد أقرأ بالقدر الذي أريد، كما لم أعد أمارسُ أياً من هواياتي الصغيرة الأخرى. 

وليس ذلك كوني أقضي وقتاً طويلاً على تويتر، فالواقع أنني لا أفعل، بل كوني اكتفيتُ بتلك النافذة الصغيرة المفتوحة على الكون، ولم يعد هناك متسعٌ لنوافذ أخرى لا تطل على الحياة بقدرِ ماهيَ الحياةُ نفسها.
أصبحتُ أنثر عباراتي الصغيرة على تويتر ثم أمضي سعيدةً بها، ناسية أو متناسية أن هناك قصيدة أو مقالة ربما تختبئ بخجلٍ خلف عبارة ما.. وعندما خالجني ذلك الشعور، لم يكن أسهل من أن أختزل ما أشعر في هذه العبارة الصغيرة:
نغلق أدراج تويتر على كلماتنا ونمضي.. ننساها في عجلة منا،فتويتر حالة مستعجلة..والكلمة المنسية تنسى أن تصير قصيدة!

كانت تلك بدورها تغريدة صغيرة وضعتها في درج تويتر منذ مايقارب ثلاثة أشهر دون أن أستطيع حقاً العودة إليها وكتابة هذا الموضوع الذي ماهو إلا غراس تلك البذرة!
هذا الوعي الذي أحسب أنه موجود لدى كثيرين، لايبدو كافياً لتدارُك فداحة هذا التماهي الجماعي  ومقاومة إرساء مبدأ الزقزقة أو التغريد كمسلّمة لا جدال فيها.. الكلُ يزقزق بما فيهم شخصيات اجتماعية وثقافية وسياسية مرموقة، والكل يرغب أن يكون جزءاً من هذه الحالة الثقافية والإجتماعية (الكوول)..

وهكذا غردتُ هناك صراحةً بما قد أصفه بشيء من العتب الدبلوماسي أو هو عتب خجول ممزوج بغزل:
" تويتر، أيها اللص الصغير الجميل.. سرقتَ الأحاديث الطويلة من أفواهنا وحمّلتنا اختصارات الدهشة ،فشرعنا لك النوافذَ ونسينا أقلامنا على الأبواب"

وليس ثمة ثورة حقيقية في عبارة كهذه، كان ذلك مجرد اعتراف مذعن مستسلم لا يرقى إلى مستوى الحراك العكسي الإيجابي..
وهنا أتساءل، هل يسهل ضياع النتاج الفكري للأفراد في تويتر؟ وهل حقيقة أن هذا المنتج الفكري والأدبي ليسَ إلا عبارة يشكّلها ما يقلّ عن 140 حرفاً، يجعل من هذه النتاج أكثرعرضة للسرقة الأدبية والنقل العشوائي على برامج الدردشة ومسنجر البلاكبيري وبرامج المحادثة على مختلف أجهزة الاتصال الحديثة؟

لنأخذ مثلاً البيت الذي اشتُهر جداً مؤخراً "سيفتح الله باباً كنتَ تحسبه، من شدةِ اليأسِ لم يُخلق بمفتاحِ" .. كم عدد المرات التي تم عمل ريتويت لهذا البيت من حساب الشاعر المغرّد @ZainB .. وكم عدد المرات التي تم التغريد بهذا البيت دون أن يُذكر اسم كاتبه حتى اضُطر الكاتب لذكر أنه صاحب ذلك البيت في معلوماته الشخصية التي تظهر في حسابه.
وللمفارقة أن الكاتب صاحب البيت الشهير غرّد بالأمس ملخصاً تجربته الشعرية على تويتر: "أن تويتر كانت تجربة متواضعة حاولت عبرها ان اثبت انه لا زال هناك من يتفاعل مع الشعر اذا تكلم لغة الناس و المشكلة دائماً بالكاتب لا القارئ" 

إن هذا التفاعل الجميل ماهو إلا أحد مزايا تويتر لكني أصرُّ على أن تويتر برغم مزاياه العديدة يدّفعنا الثمن غالياً، فمثلاً ذات البيت الشهير يظهر لديّ في الرسائل الشخصية لعدد من المتصلين في برنامج المسنجر والبلاك بيري، ودون ذكر لمصدر البيت أو الكاتب بالطبع..  ولا أنسى أن أذكر هنا أن كثيراً من شعراء تويتر أصبحوا مقلين في كتابة القصائد بسبب الأبيات المختلفة التي يغردون بها كل يوم.. ليس ثمة تغريد بقصيدة مكتملة على تويتر إلا فيما ندر.. فالعجلة المتحركة في صفحات تويتر وتوارد الردود والتعليقات أكثر إلحاحاً على الشاعر من بيت يلحقُ سابقه.. فكم ياترى من قصيدة فوت علينا تويتر!؟ وكم يصبح تناقل هذه العبارات والأبيات من العشوائية ما يُضيع حقوق الكاتب الفكرية.

وبرأيي أن هذا النمط من الكتابة المختصرة، بقدر ما صنع ثورة في صفحات التواصل الاجتماعي، بل و أصبح الأشهر بينها، فإنه بالقدر ذاته ساهم في خلق نوع من العزلة ناهيك عن تهميش أنماط الكتابة الإلكترونية الأخرى كالتدوين والكتابة على صفحات الفيسبوك وغيرها، وهذه برأيي ظاهرة غير صحية إذا ما أخذنا بعين الإعتبار كل المشاريع التي لم ولن تكتمل وكل المقالات التي وُئدت بسبب أن الفكرة أخذت شكل عبارة مستعجلة ومختزلة كان من السهل على حاملها إزاحتها عن كاهلة أو رأسه بجملة أو اثنتين دون أن يتكبد عناء الكتابة والبحث والسرد والشرح وغيره حتى يصنع موضوعاً متكاملاً يصلح لأن يكون تدوينة أو بحثاً أو مقالا متكاملا..

هذا مع وجود بعض الاستثناءات والتجارب الجديّة بالطبع، وهنا ينبغي أن لا أغفل تجربة الدكتور عبدالله الغذامي الحديثة جداً على تويتر، حيث كانت أول تغريدةٍ له في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول من السنة الجارية 2011. ويأخذ أسلوب الغذامي على تويتر طابعاً فكرياً و بحثياً يليق بقامة الغذامي الثقافية والفكرية ويتسم بوضوح الهدف والوفاء للبحث العلمي، حيثُ يقوم الكاتب منذ تسجيله في تويتر بتحديد موضوع معين مخصصاً له هاشتاق يتحاور ويتلقى فيه آراء متابعيه وأفكارهم على مدى أسبوع ، وكان واضحاً حين صرح غير مرة أنه سيستخدم هذه المواضيع كبحوثٍ يقوم بنشرها مستقبلاً.

لكني هنا بصدد الحديث عن الغالبية العظمى من التويتريين وليس عن الحالات الفردية الاستثنائية.. فأفراد تويتر في الغالب هم ممن استحوذ عليهم هذا الطائر تماماً، هجرَ الكثير منهم صفحاته الخاصة وجزءاً من حياته الخاصة أيضاً، فالثمار التي يلقي بها تويتر على متابعيه مغوية و مشبِعة جداً فيما يبدو. ونحن المغردون في انشغالنا بتلخيص الحياة في عبارات صغيرة، ننسى أن نعيش الحياة نفسها!
ومن هنا غردتُ هناكَ أخيراً، " تيار تويتر هذا جارفٌ جداً.. وأنا مصرّةٌ على التحررِ ولو بيدِ وحيدة!"


وأعتقد أنه عند هذه التغريدة تحديداً يجيء القرار بإنهاء هذا الفصل من الركود الأدبي والتبعية السلبية لتويتر، من هنا أقرر أن يتخذ هذا الطريق منحى أكثر جدوى وأن يتلبس الوقت في منظوري صورته الحركية غير القابلة للإعادة إلى الخلف.
وفي بحثي عن هاجسٍ أو قلق مشابه بين الأصدقاء المغردين، أحسست أني طائر غريب لا ينتمي لسرب الطيور المستمتعة بموسم الهجرة هذا، بل سأسميه موسم الاستيطان الدائم على شجرة تويتر.. فالكل هناك مأخوذ بهذا العالم المُختزَل، وهم جميعٌ مواطنون مكفولٌ لهم حق التغريد دون أن يطالهم الخرس أو التكميم.

ثم إذ بالشاعرة الرقيقة سوزان عليوان، تغرد هي الأخرى مقاومةً هذا التيار العنيف قائلة:
يُسرق الوقت على النت بشكل غريب... ولا بد من تنظيم الوقت كي لا نغرد أكثر مما نقرأ أو نكتب... أو نحيا!

وتردّ على متابعيها الكثر الذين أزعجهم خروجها عن هذه المنظومة التويترية المتناغمة شارحة أسبابها التي قد تدفعها للابتعاد: "علينا أن ننتبه... الإنترنت اختراع عظيم، والتواصل والحوار يثريان الأدب والحياة... لكن هذه الشاشة ليست الحياة"، "العالم ليس بِضيق شاشة الكمبيوتر... العالم الشاسع "

هذه العائلة الافتراضية التي يصنعها تويتر ويتبناها لا تبدو كافية لمن لاينسى قلبه وأشياءه الأجمل وعالمه القديم، لمن يعشقُ الطيران ولكنه أيضاً لا ينسى أعشاشه القديمة..
نحن نتماهى كل يوم أكثر وأكثر ونكاد أن نصبح أيقونات تتسمر أمام أيقونة أخرى على هيئة طائرٍ أزرقٍ صغير لا يضمر شراً ويحمل على وجهه براءة العالم أجمع، فيما لازالت سوزان تشتاق لاحتضان كتاب قبيل النوم وعينيها "على النافذة وقمرها أو مطرها، لا على الشاشة".
أخيراً، لا أظن أن من المنطقي تجنب التقنية وتهميشها بحجة عدم إجادة خلق آلية للتعامل معها بصورة حكيمة، إذ ليس من المنطق أن يعزل الفرد نفسه عن أكثر أدوات هذا العالم الافتراضي فاعلية وانتشاراً ، ولأجل هذا لم أتخذ قراراً أحمقاً بمقاطعة العصفور الأزرق بل قررتُ ألا أصبح مهووسة أو أصبح إحصائية من إحصائيات تويتر، وهو تماماً ما قررته سوزان حين كتَبت هناك:
"منذ أن التحقت بتويتر، وأنا أقرأ أقل! وهذا أمر يقلقني، ويؤرقني. سأبقى هنا، وإن قلت تغريداتي، وفي فيسبوك كذلك، فالشاعر قصيدته أولاً وأخيرًا."

وعن إنسانيتنا التي للمفارقة فقدنا بعضاً منها على هذا العالم كما اكتسبنا جزءاً كبيراً منها نتيجة للوعي الكبير والقضايا الإنسانية التي تُمرَر على تويتر ونتفاعل معها، تبقى المسألة معقدة بعض الشيء.. فالحقّ أن تويتر عالم مليء بالفائدة والحكمة وهو مدرسة كبيرة تكاد أن تعلمنا مايعادل أو يفوق ماتعلمناه طوال سنوات دراستنا، -وهذا بالطبع تحكمه اهتماماتنا والأشخاص الذي نتابعهم وفقاً لذلك- وهنا تحديداً تكون المعضلة، إذ كيف تكون حاضراً هناك دونَ أن تضحي بأشياء أخرى ذات أهمية هنا، كالعائلة، الأصدقاء، الكتب، الأشياء الصغيرة التي لم نعد نمارس، وأشياءنا الأجمل التي تفتقدنا حتماً.. في هذا تقولُ سوزان عليوان:
أنا أيضًا سأفتقدكم... لكنني سأغيب وأعود... وأغيب وأعود... الشعر كائن عزلة... وقصائدي هي ما يجمع قلوبكم بقلبي

وتضيف:
إن غبت بضعة أيام عن تويتر، لا تقلقوا يا أصدقاء... أقرأ... أو أكتب... أو أرسم... أو أتنزه على حدود وجودين، وأسأل الأزهار عن أسمائها...

وأقول، بالفعل هل أجمل من أن نفعل كل ذلك ياسوزان، أن نكتب، أو نقرأ أو نرسم و نسألُ "الأزهار عن أسمائها"!؟ 



* العنوان من تغريدة للشاعرة سوزان عليوان 

الجمعة، 8 يوليو 2011

الكرسي


The Chair, by ~princessmartini

(φ)
كم نفضت عنه الغبارَ،
كم نفضت عنه بقايا الكلامْ،
وأمنتَ عليه ظهركَ، إذ شئتَ ظهراً
يحميك من كيد اللئام

(4)
وقفتَ،
 جلستَ..
جلستَ،
مكثتَ..ولم تقم..
جلستَ أمرتَ،
جلستَ أكلتَ،
جلستّ شتمتَ،
جلستَ أدرتَ،
جلستَ سرقتَ،
جلستَ ظلمتَ،
وظننت أن الكونَ ملكك إذ جلستَ
وأن بيتك من حجرْ
ووقفت مزهواً هناكَ تحدث ذي البشرْ
إني رسول الله رشحني البشر
أمّنتكم، ورعيتكم، ووليُّ نعمتكم أنا
صدقتُ نفسي إذ ظننتُ النيل يجري في عروقي
والقدس وجع عارمٌ قد مسّ روحي
شامٌ ويمنٌ حبُ أرضها في دمي
أَعِراقُ تواقٌ أنا،
وبلاد مغربَ قبلتي وشجوني..
صدقتُ نفسي
صدقتموني،
وحين انساب النهرُ في شريانكم، أيقظتموني
وسقطتُ عن كرسيكم ..
أسقطتموني!

هلا مددتم لي يداً،
 ساعدتموني!؟

(3)
الكرسي:
من حديد أو خشب،
عمرهُ في مقعده       
إن كان معدنه أصيلاً، ربما بعض الصدأ
أو كان خشباً،
فدوائرٌ مرسومة بعناية المولى تعالى
جلّ من سوا الخشبْ
كائنٌ مفتعلٌ يروي الوصاية والسقوط أوالغضبْ

(2)
تنفض عنه الغبارَ، الطعامْ
وسوء طالع صبحك العربيّ في المذياع، في التلفاز..
في وجه جاركَ،
في تقطيبة ملحوقةٍ بيد تشير أنِ السلامْ
هو صامتٌ كرسيكَ،
 أنت الذي تعطيه معنىً، وتزيح عنه جموده أو تخرسَه..
أنفضتَ عنه غبارك، وطعام ليلتك الحزينة؟
وفتات خبزك، حزنك،   أتركتهم؟
في نشرةِ الأخبارِ،
أصداء مجزرةٍ جرت
ودموع إحداهن بين الصوت تأخذ حيزاً
والمقعد المغلوب ....
صامت..
كان معدن أو خشب!

(1)
الكرسي،
في قصةٍ قديمة، تقولُ صفحتها الأولى:
وضع البسيط رداءه، ورزق يومه فوقه،
وزوج أحذية أمامه،
في الصفحة الثانية،
اقتعد كرسياً وحيداً وابتسم
كلبه (محروسُ) نائم
لا كهرباء ولا غمائم
لا غير صرصار هناك
وأزيز حشرات تجيء ولا تغادر.
الصفحة الثالثة،
وضع الغنائمَ، وابتسمْ
صيدٌ ، لبنْ،
 ورغيف خبزٍ لا يساوره الندم
لا كهرباءَ
ولا هموم ولا شجنْ
لا ظل جلاّدٍ هناك ولا عدم

الصفحة الأخيرة،
تزوج الرجل الفقير حبيبته
تقاسم الاثنان صيد الأمس، لبن اليوم، ورغيف الهمِّ..
وأصبح الكرسيُ كرسيينِ

.. وانتهت الحكاية..
.
.
∞))
سيظل كرسي الزمان مكمما،
أنت الذي تكسوه معنى
أو تبّدله فما
من ساد في كرسيهِ،
وأبى الوقوف مكرّما،
يوماً سيُسقِطه الملا..
ويعيش في وكر الخسارة مَنْدما

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

"لن أصمت حين يسرق الجمهور" هيَ مرآتي أنا



أفراح،
مابين نصك الذي كتبتِ في السادس عشر من مارس 2011 والمُعَنوَن "مرآة مليئة بالغائبين"  في مدونتك "ثقب في اللآحد
ونصي الذي نشرت في الثالث والعشرين من يوليو، 2010 بعنوان "mirror.. mirror ، هناك تشابهٌ يدعو للعجب! حاولت أن أحسن الظن مراراً، وفي كل مرة كنت أوشك أن أكتب لكِ تعليقاً، أكفّ نفسي كي لا أسيء إليكِ، في حين أسأت أنتِ لي!

لستُ أدري حقيقة هل أشكر تعليقك في مدونتي الذي أخذني إلى هناك، أم أندم عليه!  تعليقك قادني إليكِ، فأخذت أقراُك بنهم وامتنان و بإعجاب.. أقرأ وأجد شيئاً من نفسي وآخرين منثوراً هنا وهناك معجوناً بما خُيّل إليّ أنه الصدق الممزوج بالدهشة، فأقول لنفسي "هي صدفة ولا شك!"، حتى وقعتُ على مالا يترك مجالاً لأي شك في رأس عاقل!

حاولت أن أتفهم مايحدث عادة حين نتأثر بأسلوبِ شخصٍ ما، بفكرٍه، أو فكرته، وقد
حدث سابقاً أن نُقِلت نصوص لي بكاملها دون إشارة للمصدر أو أدنى تلميح لنقلها، وحدث أيضاً أن نسبها شخصٌ لنفسه. وهذا الأمر سيءٌ جداً. لكن أن يتم أخذ نصٍ ما وتحويره وتعديله وقولبته بحيث لا يعود الماء دلالة على منبعه، فهذا أمر يفوقُ أوله دهاء وهو أشد مكراً وأذى. هذا جرم في حق الحرف وصاحبه..
نعم، إن سرقة أفكار الغير ومشاعرهم وتبني بنات أفكارهم هو أجرم من أي سرقة، وهو بنظري أسوأ أنواع السرقة الأدبية.. لماذا يا افراح؟..  لا أظن بأنك تفتقرين الموهبة أو الأسلوب حتى تفعلي ذلك، وحاولت أن ألتمس لكِ عذراً وأقول أن ذلك من تأثرك بنصي ليس إلا، ولكن هل يكون التأثر هكذا!؟  أم أن كلماتي وعبارات كاملة كتبتُها سقطت عليك من "ثقب في اللاوعي"!؟

لكني سأكتفي بوضع رابط نصي الذي أحب، نصي الذي يشبهني، نصي الذي لا أحب أن تنسب أمومته لغيري، أو تسرقُ ملامحه كي يتبنى أحدهم زرعها في وجهٍ آخر ليس وجهي..
سأضع ملامحي الأصلية، وملامحي التي سُرقت في غفلة مني، وغطتها مساحيق زينةٍ لم تزينها في شيء، علّي بذلك أبرئ ذمتي أمام الله وخلقه فلا أكون قد تحاملتُ عليكِ أو ظلمتك.

ليس هذا النص فقط يا أفراح، بل إن أكثر من نصٍ مر عليَ هناك يحملُ شيئاً من ملامحي التي أودعتها صوتي الذي أكتب، ولكن كان نصك هذا أكثرها احتفاظاً بملامحي، كأن ملامحي أرادت أنت تستنجد بي.. فإما أن أنتصر لها، أو أن أجبُنَ حرصاً على قارئٍ أحب حرفي، فتبنى شيئاً منه.. وأخيراً، فإنني قررتُ الإنتصار لحرفي لا لشخصي، وأن "لا أصمت حين يسرق الجمهور"

أشعر بالسوء لأني أفعل هذا، هو أمر اضطررت إليه فهل تراني أبالغ في ردة فعلي؟ يستطيع كل من يحب لغته وحرفه إلى حد التوحد أن يتفهم كيف أشعر..


كتبتُ:
ترقبنا المرايا من خلفنا،
وحدها المرآة) ترانا هكذا).
وحدها تقهقه،أما أنا فأبكي

وكتبت أفراح:
يخدش المرآيا التي كبرت يوماً بعد يوم حتى أصبحت مثل الجدار ،تراقب مشيتي الغير متزنة وتسخر أما أنا فأبكي 
.......

ملامحي التي أحمل:
في مدينة الألعاب، كنت الوحيدة التي تخرج من غرفة المرايا السحرية فزعة. لم يكن يروق لي النظر إلى أناس لايشبهونني ويفترض الجميع أنهم (أنا)! لم يكن لدي أي شك بأن المرايا مسكونة بأشباح تتقمص أشكالا تشبهني قليلاً وتفزعني الأكثر! لم يكن ذلك بالأمر المضحك أبداً..

من ملامحي التي حملتها أفراح:
 في الممرات كنت الوحيدة التي تسير من أمام المرآيا المعلقة فزعة،لم يكن يروقني أبداً أن أرى أناس لا تشبهني،بينما الجميع يفترض بأنها أنا.المرآيا لا تعكس صوري الحقيقة هذا ليس بالأمر المحتمل دائماً.
........

أنا:
انتظر بصمت ريثما تتنكر، تخنقني المرايا. أحاول فتح الباب فيلتوي مفتاح أحداهن -العالق في الباب- في يدي ليذوب ويصبح مادة صالحة للتشكيل، فيما تصرخ إحداهن تلك حين تكتشف عطب مفتاحها بفعل قوى خفية لم تكن إلا يدي!
أفراح:
خنقتني المرآيا..... ،وفيما ظللت أراقب اللآحد وهو يذوب في هواء المكان وفيما كنت أنوي الخروج وراءه أكتشفت في تلك اللحظة أن المفتاح يلتوي في الباب ليصبح عالقاً في داخلي بالأضافة إلى أكتشفي الأخير فقد أختفت المرآيا وأختفت الوجوه .
.........

أنا:   فقط يأتون ليقفوا خلفي، تباعاً، ....هناك، حتى تكتظ المرآة بهم،...برغم الصمت اللامتناهي 
أفراح:  ازدحمت المرآة بالغائبين،كانوا يقفون خلفي تماماً ويلتزمون الصمت الجارح
.........

أنا :
توالت عليها الوجوه والملامح :
الوجه الطفولي ذو النظرة الحاقدة، الوجه الحاقد ذو العين الحاقدة، الوجه اللطيف والملامح الهادئة، الوجه الباحث عن تجعيدة خجولة، الوجه الذي لا يستطيع الضحك إلا بصعوبة، الوجه المتشنج، الوجه الذي يلعن كل ماحوله، الوجه المتساقط ندفاً، الوجه الذي يقطر نفسه من نافذتين، والوجه الذي يخونها كل مرة، (يخونها يخونها ويمعن في الخيانة)، والوجه الوهمي الذي يقابل وجهها تماما على وسادة ليلية مؤخراً..


أفراح:
في مرآتي رأيت صور متباينة،كان هناك الوجه الهادئ صاحب النظرة الحاقدة،والوجه الخجول الباحث عن إبتسامة فعالة،الوجه الذي لايغضب بسهولة،الوجه الشامت،الوجه الممعن في التجاهل،الوجه الساخط على كل شيء وعلى كل من حوله،الوجه الوهمي الذي صاحبني موخراً.
.... ......
أنا:
المهم أن المرآة كانت قبيلة من الوجوه وكانت حافلة بما يشبه ألم الصدر.. على قدر الوجوه يزيد الألم، ولم يكن ينقص كي ينفضّ الجمع إلا أن تجمّد المرآة الصورة الحاشدة، تختزنها. لكن المرآة جاحدة، تتركنا في كل مرة، -أنا وقبيلة الوجوه البائدة- ننصرف أخيراً في اتجاهاتنا المختلفة دون أن تختزلنا في إطارها البلا إطار!

أفراح:
وفي الداخل كنت شاهدة على الأوجه التي ظهرت في مرآتي وعلى نحو مفاجئ،لم أعرف مين بدأت المرآة ولا من أين ينتهي الحائط،شاهدة على اللآحد الذي يجلس في الزاوية ،لم يراه أحد سواي في ذلك الوقت.كنت الوحيدة التي أدركت بأنها لا ترى مثل البقية ...... ،ولن أبلغ أن قلت بأن المرآة ازدحمت بالكثير من الصور ،حتى أن بعضها خرج عن الإطار.
..........
أنا:
 حتى (عبده الأعمى) صديق الجن، ذاك الذي لم أره يوماً ويمشي بنصف ابتسامة، كان لايبتسم ورائي، 

أفراح:
 كان هناك وجه يبتسم لي بنصف فمه ويلوح لي من بعيد
........

أنا:
المربية (محبوبة) التي لم أنس ملامحها أبداً...وصديقتي التي لم تعد صديقتي كانت أيضا تحاول الظهور في الصورة ...، (تقف على أطراف قدميها ترتدي حذاء البالرينا التي كانت ترتديه آ خر مرة رأيتها)، تمد قامتها كي ينتأ رأسها قليلا فتصبح جزءا من الصورة في المرآة، (فيما تبوء محاولاتي بتغطية صورتها في المرآة بإبهامي بالفشل)! 

أفراح:
 لم يكن قصيراً لكنه اضطر إلى رفع قدميه حتى يظهر في الصورة،لم أنسى ملامحه ومع ذلك،وضعت يدي المرآة أمنع صورته من الظهور،عبثاً كنت أحاول فقد ذاب الوجه في يدي وأصبح قابلاً لتشكيل
......
أنا:
كان البعض يتلامس رأساً برأس أو كتفاً بكتف.....
لكن بعضهم -أكاد أقسم أيماناً مغلظة- كانوا يصعدون للأعلى! نعم للأعلى "وششش" هكذا! كما هو الحال مع جدي، والعم أحمد. في كل مرةٍ كان يمتد شعاع، فيسحبهم للأعلى، تغشاهم الابتسامة الوقورة ذاتها ويبقى مكانهم أبداً خالياً جداً.
أفراح:
كان البعض يذوب في الهواء،ويستحل مكانهم إلى فراغ قاسي، تصل يدي إليهم قبل الموت ويموتون قبل وصول الحياة،والبعض الآخر يلامس كتفي ومن ثم يعرج في مرآتي المصقولة دون أن يقول شيئاً،وحدها مرآتي تعرف وجهتهم التالية.
........


سأكتفي بهذا القدر، وأقول لك يا أفراح: لكِ أن تكبري بقدر ما تحلمين، وتمتد قامتك وقامة كلماتك لتطاول عنان السماء، لكن رجاءً، لا تتسلقي كتفي وأكتاف الآخرين، فلدينا من الأعباء والأحمال مايكفي.. نحمل ثقل حروفنا، أوجاعنا، لكن لا يتسع الكتف لحمل أكثر من ذلك، ولا يتسع القلب لمزيد من عتب.

وبالرغم من كل ذلك، فإني أعتذر عن وخزة الصدر التي سأسببها لك، و "لألم الصدر" الذي سببتِه أنتِ لي، ولـ "الندم" الذي كتبتِ عنه..


الخميس، 30 يونيو 2011

ضوضاء الغابة


Image by difker

(أ)
في اختلاسات الــ نهار، مفتوحة العينين..
في الاكتشافات المقيتة
حيث يغدو النهار عتمةً
والمساء ظلاً
والليل قامة ثقيلةً،
 جاثوماً،،
تتخلقُ عينا بومةٍ

ستشهد اختلاسات الآخرين 
من كتف الرصانة
وانتهاكات الأعين الخاشعة
ثِقل البدايات الجليلة
وانثيال غبار الضوء المتسرب من باب الغميمة الموارب
على خطوات الرفاق الخفيفة، 

العابرة نحو موتها..

أنا.. عينا بومةٍ..
خفاشةٌ مثقوبة الأذنين..
انا المقلوبة عمداً، 
المنقلبة طوعاً
 على المنظومة.

(ب)
دق.. دق.. دق
في صدري حفنة من وجع
(في قلبي) قبيلةٌ من عتاب
مدينة من ضوضاء
في صدري غابة سكانها جميعهم حطابونَ، 

ونسوة لهنّ يحرسن الـمدينة..
وأنا الشجرة الوحيدة
التي يزعجها وقع الفؤوس،
وحفيف الغيمات الورقية
وزمجرة السماء الغاضبة
ونحيب الشجرات المسفوكة
والعشب المـتلوي ألماً،

 لاعن الأقدام الـ بلا أعين.
وعرق الحطابين النازّ عن مسامات الفاقة
والرغبة في الانتصار.

(جـ)
تاااايمببببببببببر!
يتوسدٌ روبن هوود كف حبيبته تحت ذهب شجرة ربيعية،
لاعناً ثورات الأرض وارستقراطيي الزمن،
 يطحنُ بقلقٍ عشبة المكيدة بين قواطع قيلولته


تااااايمببرررررر!
تضج القريةُ..تهتز المدينة
وضحكات النسوة اللآتي يهيئن التنانير لوجبة من حساء الحطب، 

تستحيل بكاءً
قبالة ابتسامة جانبية حمراء براقة في المدينة،

 على حافة ليلٍ تذوب نجماته،
في ذات الوقت الذي تضيء فيه واجهة عيادة الأسنان المجاورة
بابتسامة نيونيةٍ وشفتين مزيفتين،
 (تخبرك أن سنصنع لك ابتسامة أجمل غير أن هرطقاتك ستبقى ذاتها)

(د)
طق.. طق.. طق..
هنا الليل يمضغ ساعاته على عجل
وساحرة المداخن والليالي المجترّة،
 هي ذاتها ساحرة المدن الساهرة والأنفس المغلفة بالاثم والنميمة
لم تزل تصنع اللعنات على هيئة مغلفات أعياد الميلاد
صفحة كفها بطاقة إعادة تهيئة
وفمها طلسم عفريت واهم
أو ليست بلاد اللعنات النهارية هي، والعهر المسائي!

طق.. طق.. طق
تستعر نار التنور
طقطقة الشرارات الساخطة توقظ الجوعى
والمساءات الصاخبة تقتلني
ت ق ت ل ن ي
صدري مستودع الضوضاء
والأسرار التي يطلعني الله عليها
لماذا أنا !
أنا لا أحب الغابات ولا أعشقُ حطّاباً
انا أمقت صوت التراكتور وانزواء الشجيرات السبيّة
(أنا المدنية)
في يدي قلمٌ وهاتف نقال وحقيبة يدٍ
وفي عقولكم فؤوس صدئة

 وفي فم واحدكم بندقية!
فلماذا تزدحم الأصوات في صدري!
ولماذا تتوجه أفواهكم نحوي؟
أغلقني على نفسي وأستعيذ بالله من شرورِ الآخرين
ومن ضعفي
ومن غابة تختصر ثغاء الكون كله في صدري
أفتح كوة هنا
(هُنا) تماماً
وأراهم في عتمة الصدر العاجز
ناراً تستعر
قبيلة حولها ترقص،
حطابونَ، ونسوة في المدينة،
ينال البرد منهن
وأخر تقعقع قدور الجوع في أكواخهن وتنطلق عبر المداخن

(هـ)
هوووففففففففففففــــ...
الريح التي لا تقتلعك من جذورك، تقوّي ساقيك
الريح التي تحمل نفحة من دخان المصانع وسعال السماء، تغريك بالمدينة


هفففـــ...
أنت الآن نسمةٌ تنطلق نحو المدينة،

تحملك ريح الشمال على بساط أحلامك الـ ساذجة...
تحملكَ..
على هيئة مظروف مصفّر ووردة يابسة،

على شكل خاطرة قصيرة، أو اسكتشٍ رصاصي
متلعثمٍ على ورقة متهالكة


هششششـــ ....
ارمِ الورقة جانباً واسمع:
"لا تهرب،، فـ عيناك تضمرُ أمراً..
لا تهرب، فقدرك يترقب خطاك ،
 يترصد وقعتك الوشيكة"
والاختلاسات التي لم ترتكب، تنتظرك على عتبة دارك
تترصد لك عند إشارات المرور
أو في عيني متسولٍ ينقر نافذتك بسيل من الدعوات المعلّبة
وبعينين تخترقان حتى زجاج السيارة (المضلل)
لتصل وجهك المنذور للعتمة والسواد والأنفس العقيمة

قريتك.. طفولتك
في أغنية قديمة تطربك على استحياءٍ و تضجر سيارتك المدينية الفارهة
تقفل عائداً على الطريق السريع
جملٌ (متأنقٌ) يتأوّد مترصداً خطاك القريبة
تك تك تك.. ثانية .. اثنتان.. ثلاثة..
ينظر الى اشلائك برأس مرفوعة

 فيما تحدق أنت ببلاهة، شاخصاً بصرك نحو السماء،
يدك خارج النافذه
 ملقاة على نحو يشي أن "ياللعبثية"

(و)
دق دق دق
جوقة شيطانية صاخبة
تعزف على نشيج القلب
لحناً أهوج
يعرفه من يسمع الضوضاء الأليمة
من باتت يداه الغطاء لنتانتها القميئة
كفوا يدّ الأسرارعني فقد تعبت
كفوا أذرع الضوضاء أيضاً فقد ضجرت
ولكم هذه القصيدة  فقد سأمتها
سأمت الضجيج الصادر عنها
أكتبها.. أقرأها وأفكر في عنوان لها:
هو صوت الضوضاء
ترجمته.. ومعناه
نقيضُ السكون، 

التماهي في التراب أوالتوحد في السجود
إغماضة تحت الماء..
أواستفاقة في الغياب
آه كم تأخذنا الجاذبية
بيد أن لنا في السماء أمنيات نُؤخذ بها أكثر مما يجب
كما أن لنا في الأرض متسعٌ بحجم قبر لا نحبه!




(ز)
تكـ.. تكـ.. تــ... تـ...
يتوقف كل صوت عدا دقات قلبك، يخفت ضوءه وصوته،
تكتكة تسكن ويسكن كل شيء!
تسكن الغابة بداخلك، يموت سكانها الوارفون،
تشعر بندمٍ عميق:
كان نحيبُ الشجرات المسفوكة موسيقيا الى حد كبير
وضحكات النسوة الخجولة كانت بريئةً وبيضاءَ كياسمين ماقبل المساء
والنجمات اللامعة في وجوه الحطابين أكثر بريقاً من أضواء المدينة في عيني
امرأة تتبضع حاجياتها وأشياء أخرى!
هي سكينك انغرزت في خصر غابتك،
قطعت معها أمعاء القرية
مزقت صورك وأحبائك في ألبومات الصور العتيقة
كلماتك في الرسائل المصفرّة
نثرتها الريح حروفاً بائدة
سكينك انغرزت في قلب غابتك،(سكينك فعلت كل هذا)
فانفجرت في داخلك ضوضاء المدينة،
 ضجيجها يبهتُ في عينيك حتى يتلاشى إلا قلييييييييلاً..


أوَ تموتُ القرية بداخلك، (كما الشجرات، كما الغابة)
أتموتُ..
وتعيش فيك ضوضاء المدينة؟