الجمعة، 23 يوليو 2010

Mirror..Mirror

Mirror by Gardi
Acrylics on canvas



(1)
I am silver and exact. I have no preconceptions

لا أذكر متى كانت أول مرة نظرت فيها في المرآة.
لكنني أذكر مرايا متكررة:


مرآة آية الكرسي على ظهر دبوس علقوه بالكوفل، وأخرى يحتضنها إطار من أحجار الماس تتشبث بسلسلة من الذهب الأبيض و تباهي بفاتحة نقشت عليها، مرايا الألعاب السحرية، صورتي المنعكسة على قرنيتي أمي، و المرآة التي تخون وجهي بعد سنوات.

في مدينة الألعاب، كنت الوحيدة التي تخرج من غرفة المرايا السحرية فزعة. لم يكن يروق لي النظر إلى أناس لايشبهونني ويفترض الجميع أنهم (أنا)! لم يكن لدي أي شك بأن المرايا مسكونة بأشباح تتقمص أشكالا تشبهني قليلاً وتفزعني الأكثر! لم يكن ذلك بالأمر المضحك،


أبداً..

(2)..

Whatever I see, I swallow immediately




تقف ساعة أمام المرآة، يمضي الوقت بطيئاً فيما تصلح شعرة نافرة، "ها كدا كويس؟"
- "كويس، كويس" أجيبها باهتمام مصطنع. ثم أتقلب أرضاً من شدة البكاء.
تتخذ ملامحها أوضاع غريبة فيما يتتابع على شفتيها أكثر من طلاء شفاه بعبوات وهيئات مختلفة: فورإيفر، بورجوا، بوبي براون، ونوع آخر زهيد يباع في بسطات السوق.
انتظر بصمت ريثما تتنكر، تخنقني المرايا. أحاول فتح الباب فيلتوي مفتاح أحداهن -العالق في الباب- في يدي ليذوب ويصبح مادة صالحة للتشكيل، فيما تصرخ إحداهن تلك حين تكتشف عطب مفتاحها بفعل قوى خفية لم تكن إلا يدي!

يفتح الباب، ونمضي. تتوحد طرقاتنا قليلاً.
كمسوخ نعرج جميعاً، كل على طريقته، في الممر المؤدي إلى..
ترقبنا المرايا من خلفنا،
وحدها المرآة ترانا (هكذا).


وحدها تقهقه،

أما أنا،

فأبكي



(3)
I am not cruel, only truthful –

أسترق النظر قبل أن أخرج. نظرة واحدة تكفي، بل أكثر من كافية. متى أصبحت أخشى مكاشفة المرايا، وكأنما أخشى ان أكبر فجاة في المرآة، أن يتسلل وجهي الذي أحب خارج السطح الذي يفتقد الإطار، أن يضيع مني، او أن تباغتني المرايا بتجعيدة سافرة تعبر وجهي كقطار يشق طريقاً لا عودة فيه!



(4)
The eye of a little god, four-cornered



تصدق! إن كانت العين نافذة الروح، فالوجه باب كبييير، كبير جداً. لكبره قرر أن يجترح نافذتين صغيرتين يستطلع من خلالهما المارة، ثم لفرط ما رأى، قرر أخيراً أنه قد شاخ وأن باباً آخرَ أصغر لابد أن يُحدث هنا. نعم، هنا. تماماً حيث أشير بسبابتي.
ثم إنه ولكبره قد تستغرق أياماً متأملا تفاصيله العجيبة، متنقلا من زاوية إلى أخرى وأنت تكتشف شيئاً جديداً ومثيراً للاهتمام كل مرة، وفي كل يوم، صدقني، هو يتغير كثيراً، دقق النظر وستعرف. المرآة تعرف.



هو صندوق بريد إن شئتم، صادره يفوق الوارد، هذا مؤكد!


(5)
Each morning it is her face that replaces the darkness



لم تكن المرايا يوماً هاجسي لكنها تصر على ملاحقتي ولا أذكرتحديداً متى بدأت ذاكرة المرايا تراودني وتتخذ صوراً متعددة على سطح مصقول تتوالى تباعاً;
الصورة التي أُعجِبتُ بها قبل خمس سنوات، (خط الكحل المسحوب بلطف في زاوية العين، ملمع الشفاه الخوخي المزهر، وبشرة صبية جداً)، والصورة التي كانت لابأس بها قبل سنتين والتي استحالت قبحاً يتجسد داخل إطار بطاقة الأحوال! صديقتي الهندية كانت تحدثني خلال المرآة في دورة المياة.


قالت، "My photo in my ID sucks! When I showed it to my husband, we both rolled on the ground cracking up! Seriously, I looked like a monkey!"
فكرت في نفسي، "ربما إن توقفت عن لفّ حجابك ابتداءً من خلف أذنيك بتلك الطريقة التي رأيتك تفعلين قبيل أداء الصلاة، لربما لن تشبهي القردة أبداً! على العموم، المرآة لم تكذب. اليوم، تبدين جميلة، حقاً!"



(6)
I see her back, and reflect it faithfully



ترقص أمام المرآة في احتفال نهاية العام، وفي حفل التكريم و كذلك في حفلة وداع رئيسة قسمنا السابقة. في كل مناسبة كانت تجد طريقها نحو المرآة، أي مرآة.. ينظر الجميع إلينا، فيما أحاول سحبها دون جدوى. تواصل الرقص والنظر بسذاجة إلى الابتسامة البلهاء على الراقصة ذات الوجه الصقيل! –حتى في اجتماعنا الأخير كانت ايضا تتحدث عبر المرآة..
كنا ذات مرة نجلس حول طاولة الإجتماعات وكانت تحدق إلى الأسفل بطريقة عجيبة. ظن الجميع بأنها معتوهة، وتساءلوا. كنت أجلس بجوارها، وكنت وحدي أعلم أنها تحدق في مرآة الحقيبة المفتوحة فوق حجرها!)
أما آخر مرة التقينا، فقد كانت تضع مرآة على الطاولة بيننا وتمسكها كما يمسك حارس المدرسة المايكرفون! كانت تتحدث عبر المرآة، فيما كنتُ أقابل السطح المصمت الذي لا يعكس شيئاً أو يقول أي شيء.. كنت أسمعها بوضوح، كما لو كانت تتحدث عبر مايكرفون، أما أنا، فلم أكن أسمعني!



(7)
Faces and darkness separate us over and over


توالت عليها الوجوه والملامح :
الوجه الطفولي ذو النظرة الحاقدة، الوجه الحاقد ذو العين الحاقدة، الوجه اللطيف والملامح الهادئة، الوجه الباحث عن تجعيدة خجولة، الوجه الذي لا يستطيع الضحك إلا بصعوبة، الوجه المتشنج، الوجه الذي يلعن كل ماحوله، الوجه المتساقط ندفاً، الوجه الذي يقطر نفسه من نافذتين، والوجه الذي يخونها كل مرة، (يخونها يخونها ويمعن في الخيانة)، والوجه الوهمي الذي يقابل وجهها تماما على وسادة ليلية مؤخراً..

(8)
Now I am a lake. A woman bends over me.
Searching my reaches for what she really is
.


تغمض عينيها، فتتجلى الرؤية كما لو عادت هناك:
تحبو تجاه السطح الصقيل يدفعها الفضول لتضاعف سرعتها وصوت كفيها الصغيرين يصفقان الأرض تحتها، تصل إليه أخيراً فتستعين بيديها والمرآة المثبتة على خزانة الملابس لتقف مائلة كمن يحاول الغوص في المرآة برأسه.
بضع سنوات تمضي وذات السطح الصقيل أمامها. تراودها الأسئلة فيتذبذب صوتها المتردد كما كل مرة في ذات المكان، قلبها يغوص ويرتعد، "ماما، مين أحلى أنا والا (همّا)؟"، فيأتيها الجواب نفسه في كل مرة مشككاً أكثر من السؤال ذاته، "بس لو تتخني شوية يمكن تسيري حلوة!" تطأطئ الرأس بحزن ثم ترفع عينيها صوب المرآة مرة أخرى فلا تصدمها رؤية الدمية ذات الأطراف الخشبية النحيلة والفم الدامي!.
ذلك ماكانت دائما تحسبه حلماً ما أو توهم ذكرى لم تكن، لكنها صورة لم تغادرها أبداً.





أستحضر قصة الخادمة الآسيوية التي كانت تكلم ذويها في بلادها البعيدة وتراهم يتحدثون عبر المرآة! نعم، كانت مرآة الحمام، كما أتوقع..
امممـ.. أنا مثلها، (حسناً، تقريباً) أما هؤلاء فلا يحدثونني، هم فقط يأتون ليقفوا
ً خلفي، تباعاً، واحداً تلو الآخر، يتخذ كل منهم موقعه المعتاد ثم يتجمد هناك، حتى تكتظ المرآة بهم، ويكتظ صدري بضجيج غريب برغم الصمت اللامتناهي في هذا الحيز المزدحم!
ولم يكونوا داخل المرآة، إنما كانوا خلفي و يتجلون فيها فقط. نعم أظن ذلك. لا، بل أنا متأكدة!





Hushhhhh... a deadly silence overwhelms the place before a hissing voice echoes:
Bloody Mary.. Bloody Mary.. Bloody Mary! Who killed me
?




(9)
In me she has drowned a young girl, and in me an old woman


في المرآة، كان جدي يقف ورائي، والجدة حمدة -التي لم تكن جدتي- كانت أيضاً تقف ورائي، والجدة مريم ضعيفة النظر –جدة جدة والدتي- كانت مبصرة تماماً خلفهم تخترق عيناها المعكوستان على سطح المرآة عيني، حتى (عبده الأعمى) صديق الجن، ذاك الذي لم أره يوماً ويمشي بنصف ابتسامة، كان لايبتسم ورائي، الصبي الذي تقيأ على مريول الروضة كان أيضاً يبدو في الصورة، أعمام والدي الذين قطفهم الموت باكراً كذلك،
حتى العصفور الميت الذي رماه معاذ فالتصق بضفيرة (إيمان) كان يطير حولنا.




وكانت تقف خلفي أيضا وجوه بائدة لم أعد أذكرها كلها، (عبادي هوا) البائع في البقالة المجاورة قبل عشرين عاماً، المربية (محبوبة) التي لم أنس ملامحها أبداً، وصديقتي التي لم تعد صديقتي كانت أيضا تحاول الظهور في الصورة بيننا، (تقف على أطراف قدميها ترتدي حذاء البالرينا التي كانت ترتديه آ خر مرة رأيتها)، تمد قامتها كي ينتأ رأسها قليلا فتصبح جزءا من الصورة في المرآة، (فيما تبوء محاولاتي بتغطية صورتها في المرآة بإبهامي بالفشل)! المهم أن المرآة كانت قبيلة من الوجوه وكانت حافلة بما يشبه ألم الصدر.. على قدر الوجوه يزيد الألم، ولم يكن ينقص كي ينفضّ الجمع إلا أن تجمّد المرآة الصورة الحاشدة، تختزنها. لكن المرآة جاحدة، تتركنا في كل مرة، -أنا وقبيلة الوجوه البائدة- ننصرف أخيراً في اتجاهاتنا المختلفة دون أن تختزلنا في إطارها البلا إطار!
كالنمل كانوا يتفرقون، تماماً كالنمل، يأخذون اتجاهات مختلفة، يصطدم بعضهم بالآخر حيناً فيكمل كل طريقه بلا شتيمة، كان البعض يتلامس رأساً برأس أو كتفاً بكتف، فيصدر وهجاً خفيفاً جراء هذا الالتماس. لكن بعضهم -أكاد أقسم أيماناً مغلظة- كانوا يصعدون للأعلى! نعم للأعلى "وششش" هكذا! كما هو الحال مع جدي، والعم أحمد. في كل مرةٍ كان يمتد شعاع، فيسحبهم للأعلى، تغشاهم الابتسامة الوقورة ذاتها ويبقى مكانهم أبداً خالياً جداً. هم يرحلون دائماً! الشيء الذي أصبح مألوفاً لديّ، وليدي اللتين تتشابكان في كل مرة على هيئة طائرٍ يحاكيهما صعوداً فيما تمارس شفتي تلاوة ترافقهما كل مرة وصوت طائر يقلع تواً: "ويششششــ"..
هكذا، يختفون جميعاً،


هكذا..


هكذا..


ويبقى وجهي في المرآة وحيداً، تملأه الكدمات!


مخرج:
لم تكن المرآة تكذب يا أمي.. كنتُ جميلة، لكنك لم تريني.

Like a terrible fish, indeed



*Mirror
(a poem by Sylvia Plath)




.



*R.H.H
*The writer's initials

ليست هناك تعليقات: