الجمعة، 20 ديسمبر 2013

مرحباً

تلكَ يدٌ أمدُّها لغريبٍ عابر.
مرحباً،
بابتسامةٍ أو بوجهٍ عابس،
بحماسةٍ أو بحزن.
لنادلٍ متكلفٍ، أو حانقٍ كـ طِنجرة
مرحباً.. للجهدِ المكّلِفِ، 
والابتسامات المفوْترَة.

مرحباً؟ 

كفَّ عينك عني يا هذا!
أنا العابرةُ كغيمة
الخفيفةُ كـ يدِ ساحر،
الثقيلةُ كذكرى.
سأعبرُ عبوراً خفيفاً،
وألمسك طفيفا، 
وغالباً.. سـأرحل.

ابتسم لي وامضِ
ولا تسَل عن اسمي،
ولا تنظر خلفكَ أبداً.
وجهيَ المنذور للأمام يُشيح 
قلبي ورقةٌ في مهبِّ الوداعِ، 
فأهلاً!

يومَ كنتَ غريباً على دولابٍ متحرك،
قدماكَ عكازتانِ ركنتهما جانباً
منذورتانِ للراحةِ والرحمة،
يوم كنتَ غريباً،
لم تكن غريباً تماماً!
نظرتَ في قلبي وابتسمت
وهل كان حينها أكثر حزناً  من ذلك القوس؟

ذاك الغريب 
عيناهُ قريبتان من قلبي
وجههُ ناصعُ الحزنِ
وشفتاهُ مدينتان،
وكانَ الحزنُ عندها ابتسامة،
وكانَ قوسَ (حزَن).

ولم نقُلها يوماً
تلكَ المرحباً كانت تطيرُ من قلبه كفراشة
وأنا، كنتُ زهرة لم تتفح.
أنا الـ(مرحباً) التي لم تخرج من فم أحدهِم حتى الآن.
لفظني رحمُ أمي وتتالت صرختان.
استقبَلني حضنٌ ما بأذان.
ولم أقل مرحباً حتى كبُرت
وعرفتُ أن الغرباءَ قد يكونون جيدين
لولا شيءٌ من كبرياءٍ
وشيطانٍ مريد.

مرحباً!
سيقولها شيطاني كلما هممتُ بحبك.
مرحباً، لوداعٍ لايحصل  بصورةٍ وديةٍ أبداً!
هل كان ينبغي أن نهرقَ نصف دماء العالم لنقول وداعاً تليق؟
هل على مقصلة النذور كنت سأشنقُ ألف ألف (مرحباً)، أنحرها، أو أخنق حرفين بها،
أو أيَ شيء دمويٍ، مجزريٍ، كارثيٍّ.. أيَّ شيء،
كي نلوّح بابتسامة بلهاء جداً دون أن نقولها مجدداً:

مرحباً!


لخريفِ الحبْ،

لشتاءِ الأيام القاسية.
أطفالُ الحربِ دونما غطاء،
لباسُهم ربيعٌ مهترئ،
أقربهم من الأرضِ للسماء! 

مرحباً، 
للأزرقِ الباردِ على نافذة الشتاء
ولرائحة المطر المتنكر في زيّ غيمة.
مرحباً للحياة الرتيبةِ والحزينةِ والسعيدةِ والرتيبة،
وللنشرة الحمراءِ مرحباً،
وللخبرِ الأسودِ على التلفاز،
ولغدر الأصدقاء،
ولأطفال الثلج دونما رداء.

مرحباً 
للورديّ والأزرقْ، 
وللبنيِ العتييييق
ولعينينِ تذبلانِ
تذبلان،
ولوردةٍ دمشقيةٍ تذوي تحت سماء حزيران..

وللحربِ مرحباً رغمَ أنفِ السلام

وللسلام تعاويذُ وأذكار مساء كل ليلة،
وللأغاني التي ماعادت تُسمَعُ دندناتنا في الصدى 
والسلام..
باسمكَ اللهم وضعتُ سلامي وباسمكَ ارفعه،
باسمك ياربّ ارفعه،
لا مكانَ له بين قاطني الحرب
وحاصديّ الموت،
وشياطين الفراق،
وسفراء الشيطان.

وياصانع البندقيةِ، مرحباً! 

ويا مُخترعي القنبلة الذرية،
والأسلحة النووية،
والغازات السامة،
مرحباً مرحباً بشعةً تليق بكم،
وبكل هذا الدمار.

ومرحباً، للدمى المتجمدة،
وعلى الضمائر الميتة،
وللحدِ المهيئِ سلفاً
والانتظار.

ومرحباً أيتها المرحباً المتسعة جداً لأوجاعنا وآمالنا
 وللحربِ،
والقتلةِ،
والقتلى،
 والسلام.


...

الأحد، 7 يوليو 2013

جدي العزيز،،

لستُ بارعةً كثيراً في كتابة الرسائل، ولكني أحاول الآن لأن صوتي مخنوقٌ ياجدي، مخنوقٌ ولا يصل.
 أبعثُ لكَ دوماً برسائل خاصة جداً أهمس بها لله في صلواتي لكني لا أعلم إن كان من المسموح أن تصلك رسائلي حيث أنت هناك. أنا أصلاً لستُ واثقة من أي شيء ولذا تتكورُ هذه الغصة في حلقي وتتركز ولذا أنا أظن تكراراً بأن كل ماحدث هو مجرد كابوس يعيدُ نفسه في رأسي كل ساعة أتذكرك بها! لستُ واثقةً من أي شيء، ولكني واثقة أنني أحبك كثيراً و أشتاق إليك أكثر.

سأقول لك من الجيد أنك رحلت، لأن العالم بات رديئاً يا جدي بصورة لا تُحتمَل. غيرَ أنني سأفكر حقاً أنه ليس من الجيد أبداً أنك رحلت. ولم يكن ليعنيني تهالك هذا العالم بهذا القدر لو لم ترحل.
لا أظن أن من العدل أن أتذمر لرحيلك هكذا ولكنكَ كنتَ جداً جميلاً و شاباً ووسيماً جداً، وكنتُ حفيدةً مغرورة بجدها الراسخ في نفسها كَـمُسلّمَة،  وكنتَ الجدَّ الذي تبقى لي، على قيد الحياة والفرح. الجد الذي أحببت.

وسأدرك الآن كم كبرتُ يومَ رحلت، وكم من الفرحِ فقدت.  فأن يكون لك جدّ يعني أن تبقى طفلاً للأبد. يعني أن تحتفي بقبلاتك على اليد القوية ذات التجاعيد الخفيفة، أن تستمتع بتلك اليد وهي تضغط على رأسك مداعبة، يعني أن ترقص على  أنغام موسيقى إلهية وأنت تسمع حكاية أو حواراً عادياً من فم جدك. أن يكونَ لك جدٌّ يعني أن تكون محظوظاً إلى حدٍ بعيدٍ دون أن تدرك ذلك تماماً، حتى تفقد ورقة الحظّ تلكَ إلى الأبد.

ماكانت المكالمات الهاتفية تغني عن رؤياك جدّي، فهل تسامحني على غبائي في السؤال عنك؟ ماكنتُ أعرف أنك سترحل، وسيجيء رحيلك درامياً جدّو. درامياً جداً كأن يأتي مباغتاً مابينَ فرحين!

سأخبرك،

كان من الحماقة أن أواجه موتَك بكل ذاك الضعف ولكني تهالكت بالرغم من أنني تسلحتُ بكل إيمانياتي لأجلك، قابلتُ الموت راضخة، صافحتهُ مُرغَمة، جثوتُ أمامه واحتضنتك، قبلتُ رأسك النائم وهمستُ بأذنك شيئاً ما. فعلتُ كل ذلك، غير أن لاشيء كان سيدفعُ عني كل هذا الحنين الآن. لا شيئ أبداً.

وسأذكرُ تماماً كيف أنني هربتُ يومها من وجه أبي لأنني لم أنسَ يوماً تلكَ الدمعة التي لم يرَها أحدٌ على خدكَ غيري. دمعة صغيرة كتلك، قتلتني على مدى ثلاثة عشرَ عاماً ولم أستطع نسيانها حتى اليوم. أنا لم أُرِد أن أُقتلَ مجدداً إذا رأيتُ دمعَ أبي، ولذا خبأتُ نفسي جيداً،
أو هكذا ظننت. 

جدي،
 أنا أحبكَ كثيراً، فهل يخبرُكَ الله كم أفعل؟ وكم أشتاق إليك؟ وكم أستعجلُ يوماً نكون فيه جميعنا معاً فرحين فرحاً أبدياً لا حزنَ بعده. سامحني جدّي وتجاهل هذا القدر من الحزن في رسالتي كي لا أحزنك، و اعلم فقط كم أحبك كثيراً وأشتاق إليك..


 هذه المرة سأكون واثقة بأن هذه رسالة طيبة سيتولى الله أمر أن تصل كما أحب.




الخميس، 11 أبريل 2013

سفر




يا عابِري،

زمنٌ بعد زمن ونحن ننشغلُ بنا 
نتسلى بتفاحةِ النسيان
وندّعي ألا ذاكرةَ سوداءَ تجمعُنا،
تفرقُنا،
وتلّم شتاتَ شيءٍ ما 
سأسميه اليومَ،
 "بؤسنَا"

ياعابِري،
وجع بعد وجع يعتصرُ خاصرةَ الوقتْ
يستبدُ كحاكمٍ بيَدِ عصا عمياء
الحواس لا تبصر
إنها تعي
 أن لا وطنَ بلا قلب،
ولا ذاكرة،
ولا ضغينة!

أتعلم؟
 الحبُّ أعمى
الضغينةُ عمياء ياصديقي أيضاً.
أوَلسنا جميعنا كذلك!


ثم إنني أصلاً ماعُدتُ أنا
بيني وبيني اثنتان
وشياطين عديدة
تؤدي طقوسا لكل واحدةٍ مِني على حدة 
وتشعل النارَ حولنا،
انا وقلبي واثنتاي
ترفعنا
وتلعن أزيز الظلام.
وهذه الدروب المقفرة
ليلها حالك
انظر في عينيك 
أراها
أراك
أراها.. أرانا
أراك

وأنا في هذا الليل الممتد أعبرُ السفرَ راكبةً خلفية
وتعبرني أنت راكباً علوي
فضاء المسافات الطويلة حالكٌ كأقدارنا   
نعبر هذا الليل
ويعبرنا ..
 معاً 
 كل هذه الطرقات ولا نلتقي! 
هل حقاً كرويةٌ هي الارض؟

ياعابري،
أكتب كي لا ينثني الليلُ
وتنحني الشمسُ و سلة حصادنا فارغة.
أكتبُ كيما أؤثثَ هذا البياض وذاك السواد 
بسُمرةٍ وقمحٍ وشيءٍ من ماء.
لك السنابلُ ياعابري ولي خصَبُ الترابْ.
لك الحقلُ ولي نِثار الحمام وريشِ الغربانِ الساقطِ  كأثرِ نميمةٍ عابرة.
لك السلامُ ولي كل هذ العراك، وضجيج الناقمين وسذاجة الاوفياء.
لك النهار و لي هذه الظلمة المرصّعة،
هذا التراشق الخفيّ.
لك سُمرتي ولي البريق الشقي في عينَيّ فلاحةٍ عاشقة.. 
لك طفولتي ولي ظِلُّ جدي قبل أن يسكت صوته للأبد.

ولنا معاً هذا الفراق
هذا الفراق
هذا الفراق


لنا كل هذا العبور
ولنا الله