الاثنين، 22 سبتمبر 2008

روبرت فروست والأسوار


ترميم الجدار

شيء ما لا يحب الجدار
يرسل هزة متجمدة من تحته
يسكب الصخور المتجمعة، في الشمس
ويصنع فيه فجوات،
يمر من خلالها حتى اثنان يمشيان جنباً إلى جنب.
أما عمل الصيادين فهو حكاية أخرى:
جئت من بعدهم ورممت وراءهم
هناك حيث لم يتركوا حجراً على حجر،
لكنهم أخرجوا الأرنب من جحره
ليرضواكلابهم النابحة،
تلك الفجوات أقصد،
التي لم يرهم أو يسمعهم أحد وهم يصنعونها،
لكننا نجدها هناك دائماً، في الربيع –فصل الترميم.
أدع جاري ليرى من خلف التل
وفي يوم آخر نجتمع لنمشي على خط الجدار
ونقيم الجدار بيننا مرة أخرى
نبقي الجدار بيننا هكذا بينما نمضي كل في ناحيته

وتلك الصخور التي وضعت فوق بعض
كان بعضها يبدو كالأرغفة، وبعضها الآخر مستدير مثل الكرة تقريبا
كان يلزمنا أن نمارس بعض السحر لنبقيها متزنة
"ابقي مكانك حتى ندير ظهورنا!"
اخشوشنت أصابعنا ونحن نتناولها
اوه، هي فقط لعبةأخرى نلعبها خارج المنزل.
واحد في كل جانب. وقليلٌ من شيء آخر:
هناك حيث يكون، لا نحتاج الجدار:
هو لديه أشجار الصنوبر، أما أنا فبستان التفاح.
لن تقطع أشجار التفاح خاصتي الطريق إلى حديقته
لتأكل أكواز الصنوبر الساقطة تحت أشجاره. أخبرته بذلك.
لكنه فقط يقول:
"الجدران الجيدة تصنع جيرانا طيبين"
الربيع يوازي الشقاوة والاثارة بداخلي،
وأتساءل إذا كان بإمكاني أن أزرع فكرة ما داخل رأسه:
"لماذا هم جيران جيدون؟ أهناك حيث يرعون البقر؟
ولا يوجد أي بقر هنا!؟
وقبل أن أبني حائطاً كان ينبغي أن أسأل
مالذي أحيطه بالداخل أو أحيطه خارجاً!
ولمن كنت سأسبب الأذية.
هناك شيء ما لا يحب الجدار
شي يريد تحطيمه.
أكاد أن أخبره انهم "الاقزام"،
لكن ذلك الشيء ليس "الاقزام" تماماً،
وكنت أفضل لو أنه قالها بنفسه.
أراه هناك قادماً وفي كلتا يديه يحمل حجرا
ً يمسكه بشدة من أعلاه
كمسلح متوحش من العصر الحجري يأتي
يبدو لي أنه ذلك الذي يمشي هناك في العتمة
لم يكن ذلك طيف الغابات فقط وظلال الاشجار.
وجاري لن يذهب بعيدا عن مقولة أبيه,
"الجدران الجيدة تصنع جيراناً طيبين"

روبرت فروست


قصيدة روبرت فروست الشهيرة، "ترميم الجدار" هي احدى قصائده الرائعة والعميقة ايضا بالرغم من بساطتها في الظاهر। قبل البدء بتحليل هذه القصيدة من منظوري الشخصي، شرعت في البحث عن معلومات حول هذه القصيدة والتي قد تكون مهمة لفهمها بطريقة أقرب لما أراده فروست منها।

تدور القصيدة حول جارين يصلحان باستمرار السور المبني بينهما –ويقال أن فروست كتب هذه القصيدة على خلفية قصته مع جاره الذي كان يردد بأن الجدران أو الأسوار الجيدة تصنع جيراناً جيدين!-
في مجملها، تعتبر هذه القصيدة من قصائد فروست اللاذعة والساخرة معاً، وفيها يسخر فروست من جاره المزارع العنيد و(التقليدي) جداً والذي يفعل الأشياء بطريقة معينة لا لأي سبب سوى أنه تلقاها بهذا الشكل، وهنا يبدو جلياً أن فروست في سخريته غير المباشرة من جاره هذا انما يسخر منا جميعاً لأننا نبني جدرانا سميكة حولنا دائماً نصنع من خلالها مسافات أكبر وأمنع على الاخرين بحيث لا يستطيعون اختراقها او تسلقها..
لكن اذا عدنا للقصيدة ذاتها، فهي تحمل في طياتها معاني وصور جميلة جداً، وقصة بناء السور هي قصة تتكرر في اي منزل وفي كل مكان، انما كان في مقدور روبرت فروست –كونه شاعراً- أن يتوقف عند هذا الحدث الغير مهم ليصنع منه قصيدة لا يمكن لدارسي الأدب أو محبيه اغفالها।
وربما من الصواب أو حتى من الأصح أن ننظر لقصيدة فروست السهلة الممتنعة بنظره أكثر عمقاً وبفلسفة تحليلية عوضاً عن أخذها على محمل القصة الواردة فقط। فالجدار الذي أراده فروست هو حتماً ليس مجرد ذلك الجدار المحسوس الذي نبنيه حول منازلنا ليحمينا من تطفل الاخرين وتحديداً جيراننا، ولكن الاسوار هي تلك الحوائط المنيعة التي نبنيها حول أنفسنا لنضع بها مسافات لا يستطيع الغير تجاوزها وبالتالي سبر أغوارنا الشعورية أو حتى تفكيرنا। ضرورية هذه الحوائط طبعاً بغض النظر عن أسلوب فروست التهكمي في اكثر من موضع في قصديته هذه، إلا أنه نفسه يشير بشكل أو بآخر أن (بناء) الاسوار أو حتى الجدران السميكة واصلاحها هي امر طبيعي وفطري ربما، على ما قد تبدوه في القصيدة من السوء والبدائية ربما، حيث يحاول جارين أن يعزلا ممتلكاتهما باستمرار لحد الهوس بكل صخرة قد تسقط من الجدار الفاصل بينهما! "
إلا أن هذا الجدار لطالما كان سبباً لعلاقة جيدة بينهما ولتعاون مستمر فكما يقول الجار دائماً "الاسوار الجيدة تصنع جيراناً طيبين"! وأظن أن سخرية فروست تأتي في سياق الوضع المتنافر كلياً بين نظرية العزل والفصل و ثقافة التواصل والاتصال!
."
أيضاً أدهشني كثيرا أن أجد مايشير إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اريل شارون، كان قد استشهد ببيت من "بناء السور" في كلمة ألقاها أمام الرئيس الامريكي في الولايات المتحدة وذلك في سياق تسويق وتبرير لستمرار اسرائيل في بناء الجدار الفاصل في فلسطين। عجيب جداً! لم أتخيل قبلا بأن الادب الجيد قد يستخدم لتبرير الجرائم التي قد يرتكبها أحدهم! من زاوية أخرى تحدثت بعض المواقع عن أن فروست كتب هذه القصيدة كرد فعل لبناء الجدار الفاصل في برلين। لكن يبدو أنني علي التأكد من تاريخ كلا الحدثين بما أنني لست على علاقة جيدة بالأرقام والتواريخ!

* ترجمة القصيدة إلى العربية هي جهد شخصي مني وببعض التصرف।

ليست هناك تعليقات: