الثلاثاء، 6 أبريل 2010

مدام هيلين



كعادة الكثير من النساء حين يحببن فرض سيطرتهن على ماحولهن (وتعبتني نون النسوه بالمناسبة)، تظن مدام هيلين –خاطئة- أنها تملك مكاناً عاماً بشهادة الجميع!
مدام هيلين (الأرمنية السبعينية-على الأرجح) التي تدير كافتيريا استراحة أعضاء هيئة التدريس في إحدى كليات الجامعة وتتكلم بلكنة مصرية مكسورة قليلا تعبتني لدرجة أني قررت الكتابة عنها!
هل يتخيل أحدكم أن يتناول إفطاره فيما يحوم حوله أحدهم متتبعا مسار طعامه؟!
هيلين تفعل ذلك وأكثر،

بينما نتعلم انا وصديقاتي فن (التطنيش) على اصوله كما لم نتعلمه او نمارسه من قبل! فليس من اللباقة ان نتجادل مع سيدة مسنة حول إدارتها لما تظنه مطعمها الخاص، وليس باستطاعتنا سوى تجاهل تمتماتها غير المفهومة لأننا لم نشترِ الافطار منها هذا اليوم!
سأحاول أن أجعل هذه التجربة التعيسة قابلة للتصور بطريقة أو بأخرى،،
هب أنك تصعد السلالم الطويلة، يدفعك جوع يومك لتسابق خطواتك الثقيلة والوجع الذي ينبض في ساقك قبل أوانه بربع قرن على الأقل.. تفعل كل هذا كي تصل إلى باب مصفر اللون تتوسطه بطة ذات شريطة حمراء حول عنقها؟!
ثم إن هيلين تستقبلك عند الباب وهي تخترقك بعينيها من فوق النظارة وليس من خلالها، تتدلى من نظاراتها على جانبي وجهها سلسلتين ذهبيتين تلامس كتفيها المنكفئين قليلاً إلى الأمام.. ولو كنت محظوظا يومها فستكون هيلين عند الثلاجة مثلا في زاوية نادرة الحدوث، تسمح لك بالمرور دون أن تلحظ دخولك قبل أن تتجاوز طاولتها الشهيرة التي تحمل ساندويشاتها الفاشلة والمكلفة جداً كذلك.
اما إن كان احدهم (داعي) عليك يومها، فستكون هيلين باستقبالك عند الباب وستضطر للوقوف معها ربع ساعة لتستمع لها وهي تشرح لك بغنائية فذة لا تمل من تكرارها ماذا يوجد بداخل كل رغيف على الطاولة! "ده بالزاتون وقبنة كاشكافال، وده بالانشوفي، وده عيش صامولي –كني مو عارفة مثلا- بالقبنة بيضا (معقونة) بالزتون، وده فلافل بالتورشي وبتاتا مئلية، وده (سم هاري)" يا أمي خلصينا!

أذكر كيف ضبطت هيلين ذات صباح إحدى صديقاتي وهي تدخل الاستراحة فيما كنت على طاولتي انتظرها.. كانت صديقتي تتضور جوعاً ووتتبادل قدماها الادوار في وقوفها الطويل بينما تمارس هيلين عليها طقوس التعريف بما لا يعرّف، وكنتُ أنا أضحك كالمجنونة داخل كتاب أخفي نفسي فيه!
ربما تمارس علينا هيلين–نحن المعيدات صغيرات السن نسبياً كما أظنها تعتقد- نوعا من الإيحاء لنستنتج لفترة طويلة أن هذا المكان خاص بها وتستطيع ان تفرض به اي قوانين ترغبها.. فتسحيب الكراسي وتمتماتها غير المسموعة كل مامرت بجانبنا، تحديقها المزعج وتنبيهنا المستمر لوجود سلة مهملات قريبة منا باتت غير محتملة..
وبين كل عدد من الزيارات تسألنا مجدداً، "انتو تالبات يابنات!؟"
في المرة ماقبل الاخيرة والتي كانت منذ شهور، انتبهت فجأة إلى أن خلخالي لم يعد في مكانه، في نفس اللحظة رفعت رأسي لأجد المدام تمسك خلخالي الأثير بين اصبعين وتدخل المخزن!
ناديتها قبل أن تختفي قطعتي الاثيرة في أرشيفها المظلم إلى الأبد، "مداااام هيليييييين! ده بتاعي لو سمحتي!"، لأحظى بنظرة عاصفة يحطّ بعدها الخلخال في هبوط غير سلس على طاولة الشاي أمامي!
خلاصة الموضوع، هو أن تصرفات مدام هيلين قد تكون طبيعية بعض الشيء إذا ما أخذنا في عين الاعتبارأن كثير من النساء (والرجال أيضاً) يصبحون قليلي الصبر مع كبر السن، ومُنرفزين (بفتح الميم وضمها أيضاً). لكن الواضح أن المدام (غير المواطنة) أصابتها عدوى المناصب.. فـ هيلين أسوة بموظفي الدولة من المواطنين، ترى في كرسي الكافتريا منصبا (دائما) يخولها السيطرة على كل من يقع في محيطها ومحيطه.. الاستراحة التي (تعمل) بها مدام هيلين أصبحت عالمها الذي تحكمه، ونحن الرعية التي يجب أن تنضوي تحت حكمها!
الأمر الذي لايختلف كثيراً عن هوس لدى بعض الموظفات لإهانة الطالبة عند أول فرصة، الأمر نفسه الذي يدعو موظفة الأمن البسيطة إلى رفع صوتها مع كل دخول وخروج إلى الجامعة رغم أنها تعلم يقينا أن من هؤلاء من يفقنها علماً وثقافة ولايوجد مبرر لرفع الصوت أصلا، لكنها تملك سلطة ما ولابد.. (لابد) من استثمارها.. ليصبح شعار الجميع سلطتي هي مصدر استبدادي!
الجميع هنا لا يضيع أي فرصة يمنحهم إياها الكرسي أو حتى الساندويش..


الطريف أن هناك أيضاً مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في ذلك القسم تعتبر نفسها المؤسس الأول لهذه الاستراحة فيما يبدو، وعليه قررت تلك الثلة أن تضع ورقة مقاس A4 على الباب أبو بطة إياه، و تحت رجل البطة تماماً، مكتوب عليها بالخط العريض، "الإستراحة خاصة بمنسوبات الكلية فــــــــــــــقـــط.."
تيب ياجماعة خلينالكم الاستراحة المعفنة أبو بطة، وغلاسة مدام هيلين، وسندويش الفلافل بالتورشي وحوض السمك اللي كل أسبوع يموت كل السمك اللي فيه.. (ولا مؤاخذه يعني، بس أحيانا كان يخطر ع بالي إن مدام هيلين تعمل ساندويشات بسمك الزينة اللي في الاستراحة وهذا سبب اختفاؤه المستمر! )
وفوق هذا كله، هل خطر ببال مدام هيلين أن أحدهم سيقحمها في مدونته المتواضعة، أو أن اسمها سيظهر لأحدهم في محرك البحث!
هل أخبرها؟ لربما منحتني عدد من الزيارات المجانية إلى بلاد هيلين للسندويشات؟ !
على كلٍ، هو زمن غريب حقاً..
و..
Viva la sandwich
Viva la authority

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

صباح الخير

إلا قولي , هل خطر لك انتي يا غاردي اني راح أحب مدام هيلين ..

و الله , لا تصيرون جافين هيك , يمكن المرة تبي تاخذ و تعطي مع العالم , يعني يمكن حاسة بالوحدة و الصمت الكثير , أخذوا و اعطوا شوي , مسكينة انتو اللي حادينها تعرف بكل السندويشات من قبيل الاخذ و العطا معكم هههههههههه

يعني لو مش في يومك مدام هيلين كان قدرتي تكتبي هالكلام الحلو , شي يستفزك , صدقيني شي حلو ..

اممم , ضحكت على سالفة السمك , تتوقعين انها تعرف بالسندويشات بس عشان تضللكم عن الحقيقة ؟ < ما ينعرف لها صاحب ههههههههه

تحققي من الأمر , يا بنتي ..

الله يسعدك يا غاردي (f)

و . س . ن

غير معرف يقول...

صح نسيت أقول لك , انتظر لوحة قريبة منك

Gardi يقول...

اهلين بصديقتي الحلوة ^_^

والله مدام هيلين هدي حكاااية من جد هههه.. بس زي ماقلتي، هيه الناس هذي الي تجعل تفاصيل يومك مختلفة وعشان كدا احنا بشكل او بآخر نحبهم :) وندين لهم بالفرق الي يعملوه في يومنا حتى وان كانت فروقات (بلا طعمه) هههه


ان شاءالله راح اوريكي لوحة قريبا، بس هيه مو زي لوحاتك..
رسمي متواضع جداً وعلى الكمبيوتر في برامج الرسم، زي الرسام مثلا وعادة بدون تدخل برامج تعديل ..

يعني حاجة زي الرسم العادي بس بدون زحمة الألوان وريحة التربنتين ..

^_* يومك سعيد