الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

العروس تغرق



يشبه عنوان هذه التدوينة الكليشيهات الصحفية التي طالما اعتدنا عليها ولم تعد تعني لنا الكثير حين نقرأ صحفنا اليومية..



لكن هذه المرة اختلف الحال كثيراً، فليس العنوان تحذيراً من أمر يتوقع حدوثه أحد الكتاب، أو تحذير من كارثة بيئية على وشك الوقوع.. العبارة هنا تعني ما تمثله تماماً وبلا نقصان..





شاء الله أن أكون خارج مدينتي حين وقعت الكارثة، أو فلأقل حين وقع "المطر" .. هو هكذا حقاً بكل بساطة "مجرد مطر"، لكن الذي حدث من تبعات "شوية المطر" هذه، كان كارثة بكل ماتعنية الكلمة..


جاءني صوت أخي على الهاتف صباح ذلك اليوم يخبرني بأن الدنيا تمطر عندنا من الصباح كي آكل في نفسي من القهر: (يعني سبحان الله ايش معنى مانزلت المطرة الا لمن سافرت أنا L) كي أعود واستغفرالله.. لكن ما أن تتابعت الأخبار المخيفة والكارثية حتى حمدت الله أنني لم أكن هناك وإلا لمت خوفاً.. فأنا أهلع من صوت الرعد ووميض البرق وحتى نقرات المطر عندما تشتد، وأتخيل إذا ماكنت هناك وأسمع وأرى كل ما حدث !


عدت اليوم الى جدة،


مدينتي الساحرة، تلك التي يعشقها الأغلب برغم كل عيوبها فهي تبقى العروس مدينة البحر ومدينة الأشياء الأخرى كذلك.. المهم..



الوقت ظهراً، أشعر بالغبار المعلق في الهواء.. صفرة كئيبة تجتاح الظهيرة، والشوارع..


الشوارع يكسوها الغبار أيضاً، عفواً لم يعد غباراً بل هو ترااااب وحصى وبقايا أرصفة وحاجز (كان) هناك، باب سيارة مخلوع، نفايات، ونفايات ونفايات ومدينة لم تعد تكسوها حتى ورقة التوت الوحيدة!




مامن كلام يقال في هذا المقام.. فعبثي أن أقول الآن مايقوله الجميع، حتى رجل الشارع البسيط اليوم بات يتكلم ويشير بأصبع الإتهام إلى من كان يأكل من جودة أرصفتنا وإسفلت شوارعنا وبدل من أن ينشئ شبكة تصريف فعالة، كان يصرّف أموال الشعب (ولن أقول أموال الحكومة) إلى حساباته وبطنه (حار نار) .. المهم المهم



مامن كلام يقال فقد قلنا وقال الجميع والعود أحمد وخلينا في اليوم بس إن عادوا عدنا.. سأمكث في غرفتي اليوم وسأحتضن كل شيء بها فربما كان ذلك آخر عهدي بغرفة لا تطفو الأشياء على سطحها ولا أتنقل فيها سباحة! فالله وحده يعلم ماتخبئه لنا اللحظات القادمة، فليس أكثر رعباً من بيت مصنف على خط الخطر ومهدد بالغرق من بحيرة (معفنة) يسمونها بحيرة المسك وليست في فناء منزلنا الخلفي!


ربما لهذا السبب لازالت الشوارع مغمورة بالتربة والطمي؟ ماجدوى تنظيف الشوارع إذا كان ماء البحيرة سيتولى المهمة صحيح !


طيب معليش يعني.. بس لو تأخرت موية البحيرة العطرة كم يوم، هل ننتظرها أكثر..




طب أنا عندي طلب منكم بشويتين الفلوس اللي أكلتوها علينا وسامحناكم فيها،


رجاااااااءً امسحوا وجه مدينتي..


امسحوه واتركوا وجوهكم كما هي..





فلا ماء بها.

هناك تعليق واحد:

Prometheus يقول...

غاردي
أولا الحمد لله على سلامتك.
وثانيا أريد ان أقول انك أحسنت كثيرا في وصف ما جرى مما صدم جميع الناس وأحزنهم كثيرا.
ما حدث في جدة كان أمرا متوقعا مع كل مظاهر الفساد والإهمال والتسيّب التي تراكمت مع مرور السنين. ومع ذلك لم يفعل احد شيئا لتغيير الحال وانتشال المدينة من مشاكلها ومآسيها الكثيرة.
لكن عسى ان يكون في ما حدث ما يدفع المسئولين ومن بيدهم الأمر إلى العمل السريع والجاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنّب ما قد تخبّئه الأيام من كوارث ومصائب في ما لو ترك الحال على ما هو عليه لا سمح الله.
عندنا طاقات وإمكانيات كثيرة لجعل مدننا من أفضل مدن العالم من حيث المرافق والخدمات. لكنه الفساد والأنانية واللامبالاة الغريبة واستهتار رموز الفساد بالآم الناس ومعاناتهم.
نحن بحاجة إلى تفكير جديد وأسلوب آخر لمقاربة مشاكلنا والنظر في أحوال مجتمعنا خاصة بعد أن فضحتنا الكارثة وأظهرتنا للعالم في أسوأ صورة برغم كل هذه الثروات والإمكانيات الهائلة.
لكن عسى أن تكرهوا شيئا هو خير لكم.
مع خالص تحياتي.