الاثنين، 23 فبراير 2009

موسم الهجرة إلى الشمال



قرأتها مرة واحدة وتنقلت بجنون مابين الرواية الأصلية باللغة العربية والترجمة الإنجليزية لها والتي أظن بأن المترجم (دينس جونسون ديفيز) قد نجح إلى حد كبير في الحفاظ على هوية الكاتب الأصلية واللغة الأدبية للنص بها..

عشت أحداث الرواية إلى حد كبير وكانت حقاً تجربة مختلفة تماما عن أي نص آخر قرأته حتى الان.. هي مجنونة وعجيبة ومضحكة أحيانا ولست أذكر إذا كنت قد بكيت كما أفعل عادة إذا تمكن مني نصٌ ^_^ ولكن أستطيع القول بأنني لم أتعاطف تماما مع شخصية (مصطفى سعيد) ذلك الشهواني المجنون الذي ربما لفرط جنونه لكأنما هو محض اسطورة، أي شيء إلا ان يكون حقيقة أولم يتساءل ما إذا كان مصطفى سعيد حقيقة أو مجرد وهم أو سراب؟ رواية مختلقة؟ أو أكذوبه أوثلّو آخر؟

غريب هذا التوحد بين الراوي والبطل، تتداخل القصتان معاً وتتشابه وتصل بك إلى حد الذعر؟ هل سينتهي الأمر بالراوي لأن يصبح مصطفى سعيد آخر او ينال نفس النهاية؟
أو هل مصطفى سعيد هو النسخة المشوهة من شخصية الراوي المتوازنة إلى حد كبير..

مصطفى سعيد ذلك الشهواني المجنون الخارق الذكاء الفائق الدهاء، تغلبه امرأة؟!! يسقط في نفس اللعبة التي يجيدها؟ وينسج حبائلها؟ ويسقط مغشياً عليه أخيراً .. أولا يشبه مصطفى سعيد زوربا إلى حد كبير؟ ذلك المهووس بالحياة والنساء.. لكن زوربا كان يحفل بأدق التفاصيل في الحياة بينما مصطفى سعيد لم يكن يسعده شيء سوى انتصاراته وفتوحاته الخاص.. أهو ماصنعه الاستعمار بالعقول العربية؟ أهذه طريقة الطيب صالح في إسقاط ورقة التوت الوحيدة المتبقية على جسد الاستعمار السافر؟ نتاج مشوه تماما برغم الذكاء الذي يحمله ذلك الرأس الافريقي الحائر بين ملامح عربية وشعر يموج بطفولة شريرة؟
الافريقي .. الافريقي؟ هل يأتي الجنون المتطرف من الارض البدائية المجبولة على حب الطين والماء
أولا أرى أمامي خالد بن طوبال؟ بطل أحلام مستغانمي في ثلاثيتها، ذلك الرسام العجيب الذي يرسم بذراع واحده ويعشق النساء أيضا بذراع واحدة ويمارس الحب بذراع واحدة؟ يعيش باسماء وهمية ويموت باسم وهمي ويعشق امرأة اماتته فرط ما أحيته وفرط ما أحبها واشتهاها؟


الى أي مدى نجح الطيب صالح في نقل صورة الريف السوداني البسيط؟ وماقصة الشرب والعربدة و بنت مجذوب وتعليقاتها الجريئة وكل هذا الهوس بالجنس تصريحا لا مواربة،
أكان الطيب صالح هو الاخر سعيد مصطفى، حول في المهجر كل حنينه إلى وطنه الى كلمات مبدعة حقاً ولكن الى أي مدى ينبغي لنا الاعتماد على الرواية في نقل الحقيقة
ربما كان هناك من يجادل بأن الطيب في اخر الامر قدم لنا رواية رائعة إلا انها روايه انجليزية مسودنة أو سودانية انجليكية؟ أولا تعكس مكتبة مصطفى سعيد في غرفته السرية مكتبة الطيب صالح ربما؟

عندما فرغت من قراءة الرواية وكنت أقلب الأمور في رأسي تنبهت فجأة إلى أن المتحدث في الرواية أو الراوي هو مجهول الاسم! هل كان حقاً مجهول الاسم في الرواية؟ أم شخصية مصطفى سعيد طغت على شخصية الراوي حتى أصبحا واحداً لا يتجزأ؟ أو حتى أصبح الراوي هو مجرد صدى لصوت مصطفى سعيد؟
هنا فقط أحسست بأن الراوي هو ليس إلا الطيب صالح ذاته!

على العموم، وإن كانت "موسم الهجرة إلى الشمال" قد فتحت باب التابوو في أدب الرواية العربية، فإنني لازلت أرى بأن رواية الطيب صالح بكل تفاصيلها هي جزء لا يتجزأ وهي حتماً قد خدمت النص وأضفت عليه ضرباً من الفكاهة.. لكن لا أرى ذلك مخولاً لأجيال من الرواية العربية التي تبني حبكتها على الجنس أو التابوو كوسيلة لحصد الشهرة الأدبية في مجتمع لازالت تسود به القيم العربية والإسلامية المحافظة..

وهذه الروايات العربية المشهورة التي تتناول الجنس بجرأة لا نظير لها تحصد إما النجاح أو الشهرة أو كلاهما معاً، ولا أنكر هنا كون بعض هذه الرويات جديرة بالقراءة إلا أن بعضها قد يكون اقل مايقال عنها هو انها ركيكة بناء وحبكة ولغةً وإذ أنها إن لم تحصد النجاح التام فإنها على الأقل تمنح كاتبها شهرة لا نظير لها في مجتمعه وعالمياً أيضاً كون الغرب لازال يجد متعة في الإشارة والإشادة بمثل هذه الأعمال التي تتحدى مجتمعات يسود بها التطرف الإسلامي المعادي لهم كما يرون.
أظن بأن الكاتب العربي وصل إلى درجة من الوعي بهذه الحقيقة تجعله يجازف باسمه في سبيل الشهرة،
فمثلا لاأستطيع أن أتذكرأي عمل أدبي ناجح او مشهور في الثلاثين عاما الماضية ليس بهذه الصورة .. فهل النجاح العالمي مرهون بالجرأة في تناول الجنس والفسوق و إبراز صورة البطل الشهواني القوي المتحدي المراهن المقامر العربيد وما إلى ذلك من الصفات التي تصنف هذا البطل في مصاف الملحدين ؟ وكيف أصبحت هذه الشخصية (استريوتايب) جديد في الرواية العربية، ومثال ذلك رواية الطيب صالح، ثلاثية أحلام مستغانمي، ووليمة حيدر حيدر ، والعديد من روايات عبده خال وغيرهم وغيرهم؟

ليست هناك تعليقات: