الخميس، 27 أغسطس 2009

تماماً كجدتي..

لم تكن تربطني بها أي صلة قرابة، ولم أكن أعرفها طيلة حياتي بل منذ أقل من سنتين! ورغم ذلك أحببتها كثيراً، تماماً كما أحب جدتي..

لكني لم أر امرأةً مثلها تتقد حباً وحضوراً وتشحن من حولها بطاقة إيجابية لا تضاهى وحب تستشعره كهالة تحيط بالجميع حولها..

نعم أحببتها وودت لو أني أستطعت رؤيتها أكثر مما فعلت،
مؤخراً كانت بي رغبة لا تقاوم لتقبيل يدها ، تماماً كما أحب أن أفعل مع جدتي، وأن أمكث زمناً هناك عند ذلك الدفء الذي لا ينبض إلا في كفّ من يحترف الأمومة ومن يستطيع أن يجعل من الجميع حوله صغاراً ومحبين.

في زفاف أحب حفيداتها إليها، كانت هناك مع المستقبلات تحيطها هالة من نور، حقاً لا أبالغ! كان النور ذاته يصاحبها أينما ذهبت وكنت أرقبها بابتسامة وبتلك الرغبة الجامحة بأن أقبل يدها..
كانت سعيدة جداً، لكنها فقط لم تكن بنشاطها المعتاد!

كان أسبوعاً ربما، أكثر قليلا أو ربما أقل، حتى تناهت إلى مسامعنا أخبار دخولها في غيبوبة!
تساءلتُ "كيف؟!".. كانت بصحة جيدة وليست طاعنة في السن،
"كيف؟؟؟!!"، صرختُ بداخلي. "لازلت أود أن أقبل يدها، يا الله أعطها الصحة والعافية يارب"
يا الله، قبل رمضان تماماً! أكيد كانت تود أن تشهد مطلع الشهر وأن تصوم، أكيد أنهم يفتقدونها عند الافطار!
كنتُ أتابع أخبارها وكلي أمل ودعواتي تسبقني لها..

اليوم فقط..

اليوم، صعدت روحها إلى بارئها.. إلى من هو أرحم بها، وإلى من يحبها أكثر مني
كدت أصرخ، "لماذا ياربي، دعوتك كثيراً أن تبقها، لي عندها حاجة بعد لم أقضها.. أنا التي لم ألثم يدها بعد يا الله، ولم أخبرها كم أحبها!"
كدت أصرخ لكني تداركت نفسي واستغفرت ربي ..

إلهي يارحمن، ياربي وربها ورب كل شيء جميل خلقته مثلها،
ارحمها واغفرلها وتجاوز عنها، وكما جعلت لها القبول في الأرض، اجعلها من المقبولين عندك،
اللهم ثبتها عند السؤال، واجعل قبرها جنان وارفة كروحها، وادخلها الجنة بغير حساب، اللهم آنس وحشتها وسخر لها من يدعو لها ممن عرفها أو لم يعرفها، اللهم اكتب لها الاجر على كل قلب محب عرفها، وعلى كل ابتسامة رسمتها وعلى كل خطوة خطتها، اللهم إنك أعلم بها منا وأرحم بها منا فاجعل الموت راحة لها من كل شر..
اللهم اربط على قلوب أهلها وصبرهم وأجرهم في مصيبتهم واجبر كسرهم.. اللهم اجبر كسرهم.. اللهم اجبر كسرهم

اللهم هذا قضاءك ولا اعتراض.. لا اعتراض.. لا اعتراض..
نسألك الرضى والصبر والثبات..

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

ثقوب في جدار الذات





تركن كل مايخصها جانبا لبعض الوقت، وتنفرد زمناً بأشياء غريبة:
بالدبق المصاحب للرطوبة في الهواء مثلا، بالصمت الذي يتخلل الجلبة والصراخ حولها.. بالدماء التي تستشعر حتى انزلاقها البارد في عروقها.. بالقهوة التي احتستها آخر مرةٍ منذ عام.. بالحرباء مقطوعة الذيل التي رأتها في فناء منزلهم بالأمس، وبالألم الذي يطرق معصمها والخوف الذي يتسلل وقحاً الى قلبها الليلة كمن يطلب الحقلَ الإذن بالمضي قُدماً في الإعصار!
كل الصور تتابع..
كلها..
تلك السخيفة، وتلك التي لم تعد تتذكرها أيضاً..

تظن بأن الوقت لم يعد يراها، يمشي بمحاذاتها تماماً ويحرك مروره شعراتها المتطايرة دون أن ينتبه لوجودها أو بأنها واقفة ترقب الساعة المعلقة على جدارٍ كان أبداً هناك!

كل ما تبقى منها هو تعرجات وجهها العابسة وكأنما تقلص شخصها كله في حاجبين مقرونين وتجهم أنهكها حقاً وقلب أضناه الغضب!


تود لو أنها فقط تصرخ ملء رئتيها الذابلتين، " دعوني فقط أتنفس، اتركوا لي أصغر قيمة ممكنة من الهواء وسأكون ممنونة لكم.. سأقبّل دبيب أقدامكم حتى، ولن أقاسمكم ذرة أوكسجينٍ واحدة!. أقسم!"



لكنّ أحداً لم يعد يستطيع سماع شيء منها سوى ضوضاء تصدر عن صدرها وطرق شديدٌ يتواصل هناك وكأنما ماردٌ يصارع جحيماً بالداخل!



تتنبه إلى أن الغثيان قد بدأ التسلل إلى قلبها الان، يراودها القيء عن نفسهِ لكنّها لم تعد تستطيع، إذ لم يعد من الممكن إخراجهم من هناك..

لم يعد ممكناً أبداً!




الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

بكائية الأعراس



"أنا أيضاً أحبكِ يا أمي- كثيراً-
لكنني لستُ هوَ!
لا أملك قلبه الأبيض ولا ابتسامته الناصعة..
لا غضبه الطائش ولا نقاءه الجميل.."*



"أحبك أمي.."


كانت تلك الرسالة التي انبثقت فجأة على شاشة هاتفها النقال كفيلة بأن تنكأ جرحها، ذاك الذي كانت جاهدة تسعى لنسيانه طوال تلك الليلة..

هي كانت تمارس الفرح علناً كما يود أن يراه الآخرون..
أما هو فكان يقبع في الحجرة المعتمة ريثما ينتهي عرض الأضواء المصاحب لزفة عروسه..

كل شيء كان رائعاً حتى..
حتى ولادة تلك الرسالة على شاشة هاتفها..

فجأة اصبحت في مركز المشهد تماماً وكل شيء قد توقف حولها خلا صوته وهو يردد "أحبكِ أمي.. أحببببك".. كل شيء ثابت حولها،

كل شيء تجمد فجأة كصورة ثابته،
الصخب والموسيقى، والرقص والراقصات، كل شيء عدا الأرض التي كانت تدور بينما لازالت تحتفظ الخلفية برونقها الذهبي ووهجها اللامبالي..

كل شيء عدا وجهها المبلول دمعاً،

وصورة ذاك الصغير الذي كبر فجأة وطار..