الخميس، 30 يونيو 2011

ضوضاء الغابة


Image by difker

(أ)
في اختلاسات الــ نهار، مفتوحة العينين..
في الاكتشافات المقيتة
حيث يغدو النهار عتمةً
والمساء ظلاً
والليل قامة ثقيلةً،
 جاثوماً،،
تتخلقُ عينا بومةٍ

ستشهد اختلاسات الآخرين 
من كتف الرصانة
وانتهاكات الأعين الخاشعة
ثِقل البدايات الجليلة
وانثيال غبار الضوء المتسرب من باب الغميمة الموارب
على خطوات الرفاق الخفيفة، 

العابرة نحو موتها..

أنا.. عينا بومةٍ..
خفاشةٌ مثقوبة الأذنين..
انا المقلوبة عمداً، 
المنقلبة طوعاً
 على المنظومة.

(ب)
دق.. دق.. دق
في صدري حفنة من وجع
(في قلبي) قبيلةٌ من عتاب
مدينة من ضوضاء
في صدري غابة سكانها جميعهم حطابونَ، 

ونسوة لهنّ يحرسن الـمدينة..
وأنا الشجرة الوحيدة
التي يزعجها وقع الفؤوس،
وحفيف الغيمات الورقية
وزمجرة السماء الغاضبة
ونحيب الشجرات المسفوكة
والعشب المـتلوي ألماً،

 لاعن الأقدام الـ بلا أعين.
وعرق الحطابين النازّ عن مسامات الفاقة
والرغبة في الانتصار.

(جـ)
تاااايمببببببببببر!
يتوسدٌ روبن هوود كف حبيبته تحت ذهب شجرة ربيعية،
لاعناً ثورات الأرض وارستقراطيي الزمن،
 يطحنُ بقلقٍ عشبة المكيدة بين قواطع قيلولته


تااااايمببرررررر!
تضج القريةُ..تهتز المدينة
وضحكات النسوة اللآتي يهيئن التنانير لوجبة من حساء الحطب، 

تستحيل بكاءً
قبالة ابتسامة جانبية حمراء براقة في المدينة،

 على حافة ليلٍ تذوب نجماته،
في ذات الوقت الذي تضيء فيه واجهة عيادة الأسنان المجاورة
بابتسامة نيونيةٍ وشفتين مزيفتين،
 (تخبرك أن سنصنع لك ابتسامة أجمل غير أن هرطقاتك ستبقى ذاتها)

(د)
طق.. طق.. طق..
هنا الليل يمضغ ساعاته على عجل
وساحرة المداخن والليالي المجترّة،
 هي ذاتها ساحرة المدن الساهرة والأنفس المغلفة بالاثم والنميمة
لم تزل تصنع اللعنات على هيئة مغلفات أعياد الميلاد
صفحة كفها بطاقة إعادة تهيئة
وفمها طلسم عفريت واهم
أو ليست بلاد اللعنات النهارية هي، والعهر المسائي!

طق.. طق.. طق
تستعر نار التنور
طقطقة الشرارات الساخطة توقظ الجوعى
والمساءات الصاخبة تقتلني
ت ق ت ل ن ي
صدري مستودع الضوضاء
والأسرار التي يطلعني الله عليها
لماذا أنا !
أنا لا أحب الغابات ولا أعشقُ حطّاباً
انا أمقت صوت التراكتور وانزواء الشجيرات السبيّة
(أنا المدنية)
في يدي قلمٌ وهاتف نقال وحقيبة يدٍ
وفي عقولكم فؤوس صدئة

 وفي فم واحدكم بندقية!
فلماذا تزدحم الأصوات في صدري!
ولماذا تتوجه أفواهكم نحوي؟
أغلقني على نفسي وأستعيذ بالله من شرورِ الآخرين
ومن ضعفي
ومن غابة تختصر ثغاء الكون كله في صدري
أفتح كوة هنا
(هُنا) تماماً
وأراهم في عتمة الصدر العاجز
ناراً تستعر
قبيلة حولها ترقص،
حطابونَ، ونسوة في المدينة،
ينال البرد منهن
وأخر تقعقع قدور الجوع في أكواخهن وتنطلق عبر المداخن

(هـ)
هوووففففففففففففــــ...
الريح التي لا تقتلعك من جذورك، تقوّي ساقيك
الريح التي تحمل نفحة من دخان المصانع وسعال السماء، تغريك بالمدينة


هفففـــ...
أنت الآن نسمةٌ تنطلق نحو المدينة،

تحملك ريح الشمال على بساط أحلامك الـ ساذجة...
تحملكَ..
على هيئة مظروف مصفّر ووردة يابسة،

على شكل خاطرة قصيرة، أو اسكتشٍ رصاصي
متلعثمٍ على ورقة متهالكة


هششششـــ ....
ارمِ الورقة جانباً واسمع:
"لا تهرب،، فـ عيناك تضمرُ أمراً..
لا تهرب، فقدرك يترقب خطاك ،
 يترصد وقعتك الوشيكة"
والاختلاسات التي لم ترتكب، تنتظرك على عتبة دارك
تترصد لك عند إشارات المرور
أو في عيني متسولٍ ينقر نافذتك بسيل من الدعوات المعلّبة
وبعينين تخترقان حتى زجاج السيارة (المضلل)
لتصل وجهك المنذور للعتمة والسواد والأنفس العقيمة

قريتك.. طفولتك
في أغنية قديمة تطربك على استحياءٍ و تضجر سيارتك المدينية الفارهة
تقفل عائداً على الطريق السريع
جملٌ (متأنقٌ) يتأوّد مترصداً خطاك القريبة
تك تك تك.. ثانية .. اثنتان.. ثلاثة..
ينظر الى اشلائك برأس مرفوعة

 فيما تحدق أنت ببلاهة، شاخصاً بصرك نحو السماء،
يدك خارج النافذه
 ملقاة على نحو يشي أن "ياللعبثية"

(و)
دق دق دق
جوقة شيطانية صاخبة
تعزف على نشيج القلب
لحناً أهوج
يعرفه من يسمع الضوضاء الأليمة
من باتت يداه الغطاء لنتانتها القميئة
كفوا يدّ الأسرارعني فقد تعبت
كفوا أذرع الضوضاء أيضاً فقد ضجرت
ولكم هذه القصيدة  فقد سأمتها
سأمت الضجيج الصادر عنها
أكتبها.. أقرأها وأفكر في عنوان لها:
هو صوت الضوضاء
ترجمته.. ومعناه
نقيضُ السكون، 

التماهي في التراب أوالتوحد في السجود
إغماضة تحت الماء..
أواستفاقة في الغياب
آه كم تأخذنا الجاذبية
بيد أن لنا في السماء أمنيات نُؤخذ بها أكثر مما يجب
كما أن لنا في الأرض متسعٌ بحجم قبر لا نحبه!




(ز)
تكـ.. تكـ.. تــ... تـ...
يتوقف كل صوت عدا دقات قلبك، يخفت ضوءه وصوته،
تكتكة تسكن ويسكن كل شيء!
تسكن الغابة بداخلك، يموت سكانها الوارفون،
تشعر بندمٍ عميق:
كان نحيبُ الشجرات المسفوكة موسيقيا الى حد كبير
وضحكات النسوة الخجولة كانت بريئةً وبيضاءَ كياسمين ماقبل المساء
والنجمات اللامعة في وجوه الحطابين أكثر بريقاً من أضواء المدينة في عيني
امرأة تتبضع حاجياتها وأشياء أخرى!
هي سكينك انغرزت في خصر غابتك،
قطعت معها أمعاء القرية
مزقت صورك وأحبائك في ألبومات الصور العتيقة
كلماتك في الرسائل المصفرّة
نثرتها الريح حروفاً بائدة
سكينك انغرزت في قلب غابتك،(سكينك فعلت كل هذا)
فانفجرت في داخلك ضوضاء المدينة،
 ضجيجها يبهتُ في عينيك حتى يتلاشى إلا قلييييييييلاً..


أوَ تموتُ القرية بداخلك، (كما الشجرات، كما الغابة)
أتموتُ..
وتعيش فيك ضوضاء المدينة؟